د.أحمد الألمعي

من المسلم به أن بيئة العمل غير الصحية تترك أثرا سلبيا على أداء الموظفين، وتنشر التوتر والتشاؤم بين الأفراد العاملين في أي إدارة والمحصلة هي انخفاض الإنتاجية ومشاكل أخرى كثيرة. وتنتشر هذه الصورة في كثير من المؤسسات في منطقتنا العربية حكومية كانت أم خاصة، والتي تفتقر إلى أساليب الإدارة الجيدة الحديثة والتخطيط وتعتمد على الممارسات العشوائية والعفوية في كثير من الأحيان. وتعود المسؤولون في كثير من هذه الإدارات على تعيين مديري إدارة «بالواسطة»، غير مؤهلين، تنقصهم الكفاءة والخبرة وحسن الإدارة أو الرؤية المستقبلية، فيلجأون إلى أسلوب الإدارة الذي يتسم بالسلطوية وفرض القرارات التي تنتج عنها آثار عكسية على الجميع بما في ذلك المؤسسة التي يعملون بها.

ولكن هل هناك علاقة بين بيئة العمل المسمومة والأمراض النفسية؟ هذا ما تشير إليه دراسة حديثة من جامعة جنوب أستراليا، والتي تؤكد أن بيئة العمل المسمومة تزيد من احتمال إصابة الموظفين بمرض نفسي بنسبة ثلاثمائة بالمائة. المؤلف الرئيسي للدراسة يؤكد أن أسلوب الإدارة السيئ، وضعف التواصل بين أفراد الإدارة الواحدة وغياب التفاهم المزمن، قد تؤدي إلى أمراض نفسية، فاستمرار المعاناة تحت ظروف عمل سيئة يتحملها الموظف بسبب الخوف من فقدان الوظيفة، أو تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي، يجبره على العمل تحت ضغوط شديدة تؤدي في النهاية إلى المرض النفسي أو إلى ترك العمل والنتيجة فقدان المؤسسة لموظفين أكفاء.

الإحصائيات تشير إلى أن أعداد المصابين بالاكتئاب حول العالم يزيد على ثلاثمائة مليون نسمة، كما تشير نتائج المسح السعودي الوطني للأمراض النفسية إلى أن نسبة 34 % من سكان المملكة قد يحتاجون إلى شكل من أشكال الرعاية النفسية، وأن احتمال الإصابة بالاكتئاب يقترب من 9 % كما أن ثلثي من يعانون من مرض نفسي لا يتلقون العلاج النفسي لأسباب عدة، تشمل عدم الوعي أو الوصمة الاجتماعية أو أسباب أخرى كثيرة. ويؤكد الباحثون في الدراسة الأسترالية على أهمية وعي مدراء الإدارات بالحالة النفسية لموظفيهم.

وارتبط فشل كثير من الشركات والإدارات بنسب عالية من الاحتراق الوظيفي، والتنمر بين الموظفين وإهمال الإدارة للجانب النفسي للعاملين بها. الدراسات تشير إلى أن الموظفين الذين يحسون بتقدير رؤسائهم لهم واهتمامهم بالناحية النفسية يتحلون بالنشاط وارتباط أكثر بالعمل وروح المسؤولية.

وقد أصبحت السياسات والنظم السيئة في بيئة العمل محط اهتمام الكثير من الدراسات في الغرب في السنوات الأخيرة، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. فقد كثرت الانتقادات لبعض الشركات الكبيرة مثل أمازون بسبب كثرة الشكاوى من سوء معاملة الموظفين.

الدراسات تشير إلى أن التنمر في العمل له آثار عكسية على الجميع، بما في ذلك المتنمر نفسه الذي عادة ما يكون في موقع مسؤولية. التجاهل وعدم تقدير العمل المتميز الذي يقوم به الموظفون يؤدي إلى الإحباط، كما أن المبالغة في إعطاء المسؤوليات والطلبات غير المعقولة من الموظفين وسلبهم القدرة على الاستقلالية له آثار خطيرة تشمل الاكتئاب.

من المهم توفير قنوات للتواصل بين الإدارة والموظفين رسمية أو غير رسمية لتدارك أي مشاكل تطرأ قد تخلق بيئة عمل خطرة، بدون وجود عوامل وقاية تعطي الموظف الإحساس بالأمان وبقيمته كفرد يساهم في بناء ونجاح المؤسسة التي يعمل بها. يجب على المؤسسات تهيئة بيئة عمل صحية وتشجيع الموظفين على التبليغ عن أي ممارسات خطرة أو عند مشاهدة تنمر لأن ذلك في النهاية سيؤثر سلبيا على الجميع. ويشير الباحثون في الدراسة، إلى أن الضغط النفسي في بيئة العمل قد يخلق مناخا يشجع على التنمر والممارسات السلبية. في النهاية، هناك تكلفة اقتصادية واجتماعية باهظة للممارسات السلبية وسوء الإدارة يمكن تجنبها عندما تكون هناك إدارة واعية ونظم صحية في العمل.

@almaiahmad2