د. محمد حامد الغامدي

n بعد شهور من ممارسة رقصة مغازلة كتاب [الإبحار في عين العاصفة]، قررت تصفحه، لكن توقفت لمزيد من التأمل في تصميم غلافه، أوحى بالكثير، حمل صورة لبارجة حربية تصارع عاصفة حولت مياه البحر حولها إلى أمواج مظلمة وطائشة، حالة يدرك أبعاد رسالتها من كابدها وعاشها، تشبعت من رؤيتها في أفلام مرعبة عن البحر وأهواله. فهل كانت تلك البارجة تمثل المؤلف نفسه؟ تذكرت مع تصميم الغلاف كلمات نشيد ابن الخليج العربي: [بس يا بحر أعرفك غدار].

n هكذا كانت مبررات انسحابي وتوقفي عن قراءة الكتاب. كان انسحابا لتحقيق هدف، أتاح لشخصي مزيدا من التفكير والتأمل في بعد معاني عنوانه وفلسفته ورسالته. بجانب رسالة لوحة الغلاف التي حملت إيحاء قويا بأهوال العاصفة والتحدي العظيم لمواجهتها.

n بعدها رجعت إلى عرين التأمل والتفكير في مجريات هذه الحياة، عرين تأسس وتعزز بمسيرة تنوع ثقل حمل حياتي، فأصبح مركز قوة للسيطرة والتوجيه في مجرى نهر الحياة دون معرفة خط نهايته.

n قادني تصميم الغلاف لترسيخ أن لنا كبشر وظيفة واحدة، ملخصها الاستدامة لنوعنا البشري، والتغلب على التحديات. فأصبح المال والبنون محور القوة، وحتى تستمر لا بد من التغيير والتجديد والتحديث حتى في النسل بالتزاوج من خارج العرق. أليست هذه عاصفة البناء والتعمير؟ أليس التعمير والبناء تغييرا يمثل أساس القوة ويؤسس لحضارات الحياة؟

n أوحى غلاف الكتاب لشخصي بأن الحياة أشبه بنهر جار بالمياه العذبة ونحن نطفو على سطحه، نحن فيه الفلك بشتى الأنواع، نحمل الأشياء ونتقادم، في إحدى مراحل الإبحار وفجأة (يسترط) روحنا دون سابق إنذار، وظيفتنا لا تنتهي صلاحيتها، لكن قدرنا التوقف عند لحظة زمنية لا نحسب لها حسابا. هكذا تكون النهاية مع عاصفة الحياة، بكل ما نحمل من تجارب وأحمال بداخلنا. ويظل البقية على سطحه يمارسون الحديث عن كل مفقود، حتى ينالوا نفس المصير. ولهم في كل مفقود عبرة ودرس وأيضا حياة.

n في مجرى نهر الحياة كل فرد أشبه بقارب مستقل لا يشبه أي قارب بجانبه. كل قارب بتكوين ولون وحمل مختلف، بمهمة واحدة، هي العبور إلى نهاية لا نعلم متى تكون ومتى تقع. إذا وقعت نعرف أنه الموت، هذا يثبت لشخصي أن الحياة ليست منفصلة عن الموت، مهمتنا الأهم في نهر الحياة هي انتظار هذا الموت، لننتقل من حياة إلى أخرى نجهلها. وقبل وقوع حياة الموت نعيش عاصفة واحده هي المكابدة في نهر هذه الحياة.

n هل ذلك ما قصده المؤلف في إهدائه الذي شغلني به، وشغلتكم به أيضا؟ [أهديك جزءا من حياتي وحياتك] هكذا قال. أي فلسفة عميقة يحمل هذا الإهداء وذلك العنوان؟ هل هو تعبير عن فوضى عاصفة يحملها كتاب الإبحار في عين العاصفة؟

n أعرف أن مؤلف الكتاب من قرية تاريخية، كان لشعبها القليل وظيفة واحدة هي الحفاظ على البيئة كأمانة ورسالة. فأصبح بهذا الانتماء قروي العقيدة. لكن قادته عاصفة الحياة ليكون عسكريا وصل إلى رتبة (لواء). فأصبح (قاربا) مميزا في نهر الحياة، يحمل مواصفات جديدة، تتقدم حتى على اسمه، لتصبح صفات مكتسبة تزيد من لمعان شخصه وشخصيته، وهي أشبه بالألوان والتصاميم التي نضعها على القوارب في الأنهار الطبيعية.

n كان اسمه مسفر فأصبح اللواء مسفر. إنه (مسفر بن صالح الغامدي)، وقد عرفته قريته باسم (مسفر المرعي) نسبة إلى اسم عائلته. (لواء) رتبة عسكرية ولها ملحقات أخرى مثل (ركن). فأصبح اسمه اللواء ركن بحري مسفر، وفي قريته بقي اسمه مسفر. لديهم ألقاب أخرى بديلة مثل (النشمي). وظيفتها تعزيز دور الفرد على سطح نهر الحياة. في حال تكريمه يصبح عند الجميع (أبو أحمد). ويستمر الحديث بعنوان آخر.

@DrAlghamdiMH