ثمن، خالد الترجمان، أمين سر المجلس الانتقالي الليبي السابق ورئيس مجموعة العمل الوطني في ليبيا، جهود المملكة في عودة الأمن والاستقرار إلى بلاده، وأشار إلى أن نجاح الانتخابات البرلمانية والرئاسية الليبية في 24 ديسمبر القادم مرهونة بالإرادة الدولية، مؤكدا أن جماعة الإخوان الإرهابية تواصل نسج المؤامرات لعرقلة إقامة الانتخابات لاستمرار الفوضى في ليبيا.
وأوضح في حواره مع «اليوم» أن معمر القذافي كان صناعة إنجليزية، وفي فترة حكمه التي وصلت إلى 42 عاما تخلفت ليبيا مئات السنين ثم تسبب في سقوط البلاد في قبضة الإرهابيين ونهش جسدها، بعدما استعان بـ «الإخوان» في محاولة الحفاظ على منصبه.. إلى نص الحوار:
- هل هناك مخاوف من تأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في 24 ديسمبر القادم؟
العالم أجمع على أنه لا بد من الذهاب إلى هذه الانتخابات، لكن ما يقال في البيانات والاجتماعات والمؤتمرات التي تقام برعاية الأمم المتحدة لا يعكس النوايا الحقيقية لهذه الدول، خاصة أن الدول الفاعلة في المشهد الليبي لها مصالح قد تتناقض أو تتقاطع أو تتحد في أحيان كثيرة، لذا إذا توافرت الإرادة الأساسية الفاعلة في القضية الليبية - وهنا أعني تحديدا المملكة المتحدة والولايات المتحدة - سيذهب الجميع إلى الانتخابات بما فيهم جماعة «الإخوان» التي تتشبث بموقعها في الغرب الليبي، فهي بعد هزيمتها النكراء في «مصر وتونس والمغرب» لم يعد لها في شمال أفريقيا موضع قدم باستثناء العاصمة الليبية طرابلس.
إذا توافرت الإرادة لدى من جمع 134 عضوا من مجلس النواب لم يلتقوا إطلاقا بهذا العدد منذ إنشاء البرلمان إلا في مدينة سرت لإعطاء حكومة عبدالحميد الدبيبة الثقة، فإنه قادر أيضا على العبور بالانتخابات إلى بر الأمان.
مجلس النواب انقسم في إحدى الفترات إلى 4، الأول في طبرق والثاني في طرابلس والثالث في تونس والرابع في مصر، ولم يجتمع 40 نائبا معا، ولكن بإرادة سحرية اجتمع هؤلاء النواب في سرت لإعطاء الثقة للحكومة وحصلت عليها على مرأى ومسمع من العالم.
- لماذا تسعى جماعة «الإخوان» متمثلة في مجلس الدولة إلى عرقلة قانون انتخاب الرئيس؟
هدف جماعة الإخوان استمرار ليبيا في الفوضى وعدم الاستقرار؛ حتى تستفيد بأقصى قدر ممكن من الأوضاع الشائكة في البلاد لترتيب أوضاعها الداخلية، إذ إن لدى الجماعة مشاكل بمصراتة والزاوية وطرابلس، فضلا عن ارتباك علاقة إخوان ليبيا بالتنظيم الدولي، أيضا تداعيات نتائج تولي عماد البناني رئاسة حزب العدالة والبناء الذراع السياسية للإخوان في ليبيا خلفا لمحمد صوان.
كما حدثت تفاهمات بين رموز الإخوان في ليبيا لعرقلة الانتخابات الرئاسية، والاقتصار على الانتخابات البرلمانية، بعد الفشل في تحقيق مخططهم بأن يكون انتخاب الرئيس عن طريق البرلمان وليس بطريقة الاقتراع المباشر من الشعب.
الإخوان يخشون ترشح شخصيات مهمة للرئاسة مثل المشير خليفة حفتر، لأنهم يدركون أنه سيكتسح الانتخابات شرقا وغربا وجنوبا، بينما لن يستطيعوا السيطرة على صناديق الاقتراع، وبالتالي «الجماعة» شأنها شأن الميليشيات المتطرفة والجماعات المسلحة، تسعى لعرقلة الانتخابات التي قد تقود البلاد لدولة مستقرة بعد الوصول لمؤسسات وطنية، ورئاسة يتفق عليها الجميع وبرلمان جديد يذهب إلى إقرار دستوري يضم الليبيين كافة، ويؤسس لدولة مدنية ديمقراطية.
المستشار الأمريكي ديريك شوليت يتحدث إلى وسائل الإعلام في طرابلس (رويترز)
.- هل البرلمان قادر على تمرير قانون انتخاب الرئيس أم سيواجه مشكلات دستورية؟
لا توجد مشكلة دستورية، هي فقط من نسيج خيال قيادات الجماعات المتطرفة الداعمين لعدم الذهاب إلى الانتخابات لاستمرار الفوضى، وبالتالي محاولة إيجاد إشكاليات، ومن بينها أن مجلس النواب ليس شرعيا على خلفية أحكام صدرت في عامي 2015 و2016 تحت ظلال البنادق، ومن هذا المنطلق يسعون لإجهاض الانتخابات «زعما» بوجود إشكالية دستورية بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، رغم أن الأخير وفقا لاتفاق الصخيرات مجرد جهة استشارية، وفي الوقت ذاته «الصخيرات» ليس دستوريا لأنه لم ينل اعتراف البرلمان، لذا فإن المجلس الأعلى للدولة كيان غير شرعي.
وبعدما فشلت لجنة الـ 75 في الوصول لقانون لانتخاب الرئيس ومجلس النواب الجديد، تحرك البرلمان وعقد سلسلة اجتماعات نتج عنها صدور قانون حظي بمباركة كثير من الدول وتم إرساله للبعثة الأممية لدى ليبيا والأمم المتحدة والمفوضية العليا للانتخابات التي اعتمدته وستشرع في الإجراءات الفنية واللوجستية للتهيئة للانتخابات.
- كيف ترى موقف المبعوث الأممي من التطورات الراهنة، وهل قراراته تصب في مصلحة إقامة الانتخابات؟الأمم المتحدة هي مرآة عاكسة لرغبات الدول الكبرى، وعندما تتفق تلك «القوى» على قرار ما سيكون للمبعوث الأممي يان كوبيتش مساحة من التحرك والضغط والعمل، لأنه يعلم أنها ستؤيد تحركاته، وعندما تتعارض المصالح يرتبك فلا يجد حلولا للمشكلات، وظهر ذلك في مشكلة «الطريق الساحلي» فلم يكن له موقف حاسم رغم مطالب اللجنة العسكرية «5 + 5» بتدخل أممي لفتح الطريق وخروج المرتزقة وتفكيك الميليشيات وجمع السلاح، لكن تصريحاته الأخيرة داعمة فقط للذهاب للانتخابات.
- كيف رأيت الوساطة المصرية لحل خلافات المجلس الرئاسي والحكومة مع البرلمان والجيش الوطني؟جزء من لقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح وقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر ورئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة، يرتبط بطلب 54 نائبا في البرلمان بسحب الثقة من الحكومة وتقريب وجهات النظر في المرحلة المفصلية الراهنة التي تحتاج إلى تذويب الخلافات من أجل الوصول إلى إقامة الانتخابات.
ودون شك مصر تدعم خيارات الشعب الليبي في بناء دولة مدنية ووقف الاقتتال والتشظي، كما تشدد القاهرة على رحيل القوات الأجنبية والمرتزقة ونزع السلاح من الميليشيات وتفكيكها، ودعم المفوضية العامة للانتخابات.
- وما رأيك في مواقف الدول الأوروبية الكبرى إضافة إلى واشنطن في القضية الليبية؟القضية الليبية متشعبة، وهناك لاعبون كثر، والمملكة المتحدة هي الدولة الأوروبية الأكثر تأثيرا في المشهد الليبي إما مباشرة أو من خلف الكواليس.
التقى مسؤولون بريطانيون مع الملك محمد إدريس السنوسي في مصر واتفقوا على إنشاء الجيش الليبي 1940 تحت مسمى جيش السنوسي، ثم جيش التحرير الليبي، ودشن في معسكره في الكيلو 9 في أبو رواش في هضبة الهرم بمصر ودخل مع الجيش الثامن لتحرير ليبيا، ثم جاء استقلال البلاد من خلال الأمم المتحدة وجاءت المملكة الليبية بأقاليمها الثلاثة «برقة وطرابلس وفزان»، وكانت برعاية سامية إنجليزية.
ثم جاء القذافي، والذي تؤكده الكثير من الحقائق أنه كان «صناعة إنجليزية» بحتة، ليكون بديلا للملك إدريس الذي رفض السياسات البريطانية بالتصرف في أموال الشعب وتمويل مشروعات لخدمة الإنجليز من النفط الليبي.
وخلال 42 عاما فترة حكم معمر القذافي تحت مسمى القومية العربية، تخلفت ليبيا عن الركب مئات السنين، ثم جاءت ثورة 17 فبراير 2011 التي أنهت حكم القذافي، ليتحكم الإرهابيون في المشهد بمسميات عدة منها ما تسمى الجماعة الليبية المقاتلة بجانب «الإخوان»، وقد صالح القذافي قياداتها وجلبهم من غوانتانامو وترايبورا وأفغانستان وغيرها، وجعلهم يقومون بمراجعات صورية وأطلقهم على الشعب، فاستولوا على طموحات وأحلام الليبيين بالذهاب إلى دولة مدنية بعد التخلص من القذافي، لكننا تخلصنا من «القذافي فظهر 100 قذافي آخر» من خلال التنظيمات المسلحة والمتطرفين.
المخابرات البريطانية تعمل بقوة في ليبيا، ولديَّ كثير من الحقائق في هذا الشأن تحصلت عليها عندما كنت أمين سر المجلس الانتقالي السابق.
أيضا الولايات المتحدة لها دور كبير ومؤثر في الأحداث، بينما بقية الدول الأوروبية «كومبارس»، فرنسا لها مصالح في الجنوب، وإيطاليا لها مصالح في مصراتة وطرابلس، أما ألمانيا فهي عراب لبريطانيا في المشهد الليبي وسهلت التدخل التركي بعد مؤتمر «برلين 1» الذي يعد ركيزة للدمار وليس للاستقرار، وبعده حدث التدخل التركي السافر بالبوارج والطائرات في مصراتة وطرابلس وجلب المرتزقة.
وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وإيطاليا خلال زيارتهم طرابلس ولقائهم بنظيرتهم الليبية (رويترز)
- لماذا فشلت السلطة التنفيذية الجديدة في حل أزمة المرتزقة؟
لم تبذل السلطة التنفيذية الجديدة متمثلة في المجلس الرئاسي والحكومة جهودا لإجلاء المرتزقة، وهو ما يعد معضلة كبرى للأزمة الليبية، ما جعل هذه الميليشيات تسيطر على الموقف الأمني في العاصمة طرابلس على وجه الخصوص وغرب البلاد بشكل عام.
وهو ما صعد الخلاف بين البرلمان ورئيس الحكومة الدبيبة بعد صدور قرار من مجلس النواب بتحويل الدبيبة إلى المحاكمة بتهمة مساندة ودعم هذه الميليشيات.
حل أزمة المرتزقة مرهون أيضا بالإرادة الدولية القوية التي تستطيع كبح جماحها وإخراجها بالقوة من الأراضي الليبية كافة.
- هل تؤيد دمج الميليشيات في الأجهزة الأمنية بعد تفكيكها ونزع السلاح؟
دمج عناصر الميليشيات بأجهزة الدولة صعب، لأن القوات الشرطية والعسكرية لها قوانين ولوائح ونظم، من يريد التقدم إليها يجب أن تنطبق عليه تلك الشروط، من حق أي ليبي أن يكون عضوا في المؤسسة الأمنية أو العسكرية مادام لم يتورط في دم أو سرقة، لكن دمج الميليشيات مرفوض شكلا وموضوعا لأن عناصرها لا يعرفون إلا القتل والعنف ولغة الدماء والاستيلاء على أموال الغير.
- هل الإفراج عن عدد من السياسيين بداية لتدشين مرحلة جديدة في ملف المصالحة الوطنية؟لم يفرج عن أي سياسي كما يروج البعض، فقط عن الساعدي معمر القذافي، وكان متهما بقتل لاعب وبشهادة 4 شهود تم تجريد القتيل من ملابسه وربطه بالحبال وركله في جسده ثم تركه لكلاب الساعدي لنهشه، والإفراج عن نجل القذافي يهدف إلى التأثير على قبيلة «القذاذفة» والحصول على أصواتهم في الانتخابات.
أيضا أحمد رمضان الأصيبعي، أو ما كان يطلق عليه «قلم القذافي» ومدير مكتبه الخاص، والهدف أيضا أصوات مدينة الأصابعة.
- القبائل الليبية لها دور وطني كبير، كيف سيكون تمثيلها في مرحلة ما بعد انتخاب رئيس وبرلمان جديدين؟
القبائل الليبية منحازة إلى الوطن والدولة المدنية والمصالحة، وبذل أفرادها تضحيات كبيرة من أجل استعادة أمن واستقرار البلاد، وكان للقبائل مواقف، أبرزها التواصل مع المشير خليفة حفتر ومطالبته من أهالي بنغازي بقيادة المعركة ضد الإرهاب وبدأ في إعادة تنظيم القوات المسلحة وتم البدء في مواجهة ودحر التطرف في بنغازي وأجدابيا والهلال النفطي ودرنة، وتوجيه ضربات قوية للإخوان ومن خرج من عباءتها من التنظيمات والجماعات مثل داعش.
- كيف ترى دور المملكة في دعم القضية الليبية؟
الشعب الليبي لا يمكن أن ينسى من وقف بجواره وسانده في أزمته، وقدمت المملكة وقيادتها نموذجا رائعا في دعم الليبيين؛ إذ كانت دائما حاضرة بقوة في جميع اللقاءات السياسية الدولية والعربية التي تهتم بالشأن الليبي.
واستضاف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، رئيس البرلمان عقيلة صالح، وقائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر في مناسبات عدة، وقدمت السعودية إمكاناتها كافة من أجل عودة الأمن والاستقرار إلى ليبيا، وسخرت جهودها لدعمنا في القضاء على الإرهاب ومواجهة خطر الميليشيات والجماعات المتطرفة والمسلحة.
وهو ليس غريبا على المملكة، الدولة ذات الثقل الدولي وليس العربي فحسب، والشريك الدائم في حلول جميع القضايا المهمة في المنطقة خصوصا المتعلقة بالدول العربية.
الليبيون لن ينسوا دعم ومساندة قيادة المملكة لشعبنا
وأوضح في حواره مع «اليوم» أن معمر القذافي كان صناعة إنجليزية، وفي فترة حكمه التي وصلت إلى 42 عاما تخلفت ليبيا مئات السنين ثم تسبب في سقوط البلاد في قبضة الإرهابيين ونهش جسدها، بعدما استعان بـ «الإخوان» في محاولة الحفاظ على منصبه.. إلى نص الحوار:
- هل هناك مخاوف من تأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في 24 ديسمبر القادم؟
العالم أجمع على أنه لا بد من الذهاب إلى هذه الانتخابات، لكن ما يقال في البيانات والاجتماعات والمؤتمرات التي تقام برعاية الأمم المتحدة لا يعكس النوايا الحقيقية لهذه الدول، خاصة أن الدول الفاعلة في المشهد الليبي لها مصالح قد تتناقض أو تتقاطع أو تتحد في أحيان كثيرة، لذا إذا توافرت الإرادة الأساسية الفاعلة في القضية الليبية - وهنا أعني تحديدا المملكة المتحدة والولايات المتحدة - سيذهب الجميع إلى الانتخابات بما فيهم جماعة «الإخوان» التي تتشبث بموقعها في الغرب الليبي، فهي بعد هزيمتها النكراء في «مصر وتونس والمغرب» لم يعد لها في شمال أفريقيا موضع قدم باستثناء العاصمة الليبية طرابلس.
إذا توافرت الإرادة لدى من جمع 134 عضوا من مجلس النواب لم يلتقوا إطلاقا بهذا العدد منذ إنشاء البرلمان إلا في مدينة سرت لإعطاء حكومة عبدالحميد الدبيبة الثقة، فإنه قادر أيضا على العبور بالانتخابات إلى بر الأمان.
مجلس النواب انقسم في إحدى الفترات إلى 4، الأول في طبرق والثاني في طرابلس والثالث في تونس والرابع في مصر، ولم يجتمع 40 نائبا معا، ولكن بإرادة سحرية اجتمع هؤلاء النواب في سرت لإعطاء الثقة للحكومة وحصلت عليها على مرأى ومسمع من العالم.
- لماذا تسعى جماعة «الإخوان» متمثلة في مجلس الدولة إلى عرقلة قانون انتخاب الرئيس؟
هدف جماعة الإخوان استمرار ليبيا في الفوضى وعدم الاستقرار؛ حتى تستفيد بأقصى قدر ممكن من الأوضاع الشائكة في البلاد لترتيب أوضاعها الداخلية، إذ إن لدى الجماعة مشاكل بمصراتة والزاوية وطرابلس، فضلا عن ارتباك علاقة إخوان ليبيا بالتنظيم الدولي، أيضا تداعيات نتائج تولي عماد البناني رئاسة حزب العدالة والبناء الذراع السياسية للإخوان في ليبيا خلفا لمحمد صوان.
كما حدثت تفاهمات بين رموز الإخوان في ليبيا لعرقلة الانتخابات الرئاسية، والاقتصار على الانتخابات البرلمانية، بعد الفشل في تحقيق مخططهم بأن يكون انتخاب الرئيس عن طريق البرلمان وليس بطريقة الاقتراع المباشر من الشعب.
الإخوان يخشون ترشح شخصيات مهمة للرئاسة مثل المشير خليفة حفتر، لأنهم يدركون أنه سيكتسح الانتخابات شرقا وغربا وجنوبا، بينما لن يستطيعوا السيطرة على صناديق الاقتراع، وبالتالي «الجماعة» شأنها شأن الميليشيات المتطرفة والجماعات المسلحة، تسعى لعرقلة الانتخابات التي قد تقود البلاد لدولة مستقرة بعد الوصول لمؤسسات وطنية، ورئاسة يتفق عليها الجميع وبرلمان جديد يذهب إلى إقرار دستوري يضم الليبيين كافة، ويؤسس لدولة مدنية ديمقراطية.
.- هل البرلمان قادر على تمرير قانون انتخاب الرئيس أم سيواجه مشكلات دستورية؟
لا توجد مشكلة دستورية، هي فقط من نسيج خيال قيادات الجماعات المتطرفة الداعمين لعدم الذهاب إلى الانتخابات لاستمرار الفوضى، وبالتالي محاولة إيجاد إشكاليات، ومن بينها أن مجلس النواب ليس شرعيا على خلفية أحكام صدرت في عامي 2015 و2016 تحت ظلال البنادق، ومن هذا المنطلق يسعون لإجهاض الانتخابات «زعما» بوجود إشكالية دستورية بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، رغم أن الأخير وفقا لاتفاق الصخيرات مجرد جهة استشارية، وفي الوقت ذاته «الصخيرات» ليس دستوريا لأنه لم ينل اعتراف البرلمان، لذا فإن المجلس الأعلى للدولة كيان غير شرعي.
وبعدما فشلت لجنة الـ 75 في الوصول لقانون لانتخاب الرئيس ومجلس النواب الجديد، تحرك البرلمان وعقد سلسلة اجتماعات نتج عنها صدور قانون حظي بمباركة كثير من الدول وتم إرساله للبعثة الأممية لدى ليبيا والأمم المتحدة والمفوضية العليا للانتخابات التي اعتمدته وستشرع في الإجراءات الفنية واللوجستية للتهيئة للانتخابات.
- كيف ترى موقف المبعوث الأممي من التطورات الراهنة، وهل قراراته تصب في مصلحة إقامة الانتخابات؟الأمم المتحدة هي مرآة عاكسة لرغبات الدول الكبرى، وعندما تتفق تلك «القوى» على قرار ما سيكون للمبعوث الأممي يان كوبيتش مساحة من التحرك والضغط والعمل، لأنه يعلم أنها ستؤيد تحركاته، وعندما تتعارض المصالح يرتبك فلا يجد حلولا للمشكلات، وظهر ذلك في مشكلة «الطريق الساحلي» فلم يكن له موقف حاسم رغم مطالب اللجنة العسكرية «5 + 5» بتدخل أممي لفتح الطريق وخروج المرتزقة وتفكيك الميليشيات وجمع السلاح، لكن تصريحاته الأخيرة داعمة فقط للذهاب للانتخابات.
- كيف رأيت الوساطة المصرية لحل خلافات المجلس الرئاسي والحكومة مع البرلمان والجيش الوطني؟جزء من لقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح وقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر ورئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة، يرتبط بطلب 54 نائبا في البرلمان بسحب الثقة من الحكومة وتقريب وجهات النظر في المرحلة المفصلية الراهنة التي تحتاج إلى تذويب الخلافات من أجل الوصول إلى إقامة الانتخابات.
ودون شك مصر تدعم خيارات الشعب الليبي في بناء دولة مدنية ووقف الاقتتال والتشظي، كما تشدد القاهرة على رحيل القوات الأجنبية والمرتزقة ونزع السلاح من الميليشيات وتفكيكها، ودعم المفوضية العامة للانتخابات.
- وما رأيك في مواقف الدول الأوروبية الكبرى إضافة إلى واشنطن في القضية الليبية؟القضية الليبية متشعبة، وهناك لاعبون كثر، والمملكة المتحدة هي الدولة الأوروبية الأكثر تأثيرا في المشهد الليبي إما مباشرة أو من خلف الكواليس.
التقى مسؤولون بريطانيون مع الملك محمد إدريس السنوسي في مصر واتفقوا على إنشاء الجيش الليبي 1940 تحت مسمى جيش السنوسي، ثم جيش التحرير الليبي، ودشن في معسكره في الكيلو 9 في أبو رواش في هضبة الهرم بمصر ودخل مع الجيش الثامن لتحرير ليبيا، ثم جاء استقلال البلاد من خلال الأمم المتحدة وجاءت المملكة الليبية بأقاليمها الثلاثة «برقة وطرابلس وفزان»، وكانت برعاية سامية إنجليزية.
ثم جاء القذافي، والذي تؤكده الكثير من الحقائق أنه كان «صناعة إنجليزية» بحتة، ليكون بديلا للملك إدريس الذي رفض السياسات البريطانية بالتصرف في أموال الشعب وتمويل مشروعات لخدمة الإنجليز من النفط الليبي.
وخلال 42 عاما فترة حكم معمر القذافي تحت مسمى القومية العربية، تخلفت ليبيا عن الركب مئات السنين، ثم جاءت ثورة 17 فبراير 2011 التي أنهت حكم القذافي، ليتحكم الإرهابيون في المشهد بمسميات عدة منها ما تسمى الجماعة الليبية المقاتلة بجانب «الإخوان»، وقد صالح القذافي قياداتها وجلبهم من غوانتانامو وترايبورا وأفغانستان وغيرها، وجعلهم يقومون بمراجعات صورية وأطلقهم على الشعب، فاستولوا على طموحات وأحلام الليبيين بالذهاب إلى دولة مدنية بعد التخلص من القذافي، لكننا تخلصنا من «القذافي فظهر 100 قذافي آخر» من خلال التنظيمات المسلحة والمتطرفين.
المخابرات البريطانية تعمل بقوة في ليبيا، ولديَّ كثير من الحقائق في هذا الشأن تحصلت عليها عندما كنت أمين سر المجلس الانتقالي السابق.
أيضا الولايات المتحدة لها دور كبير ومؤثر في الأحداث، بينما بقية الدول الأوروبية «كومبارس»، فرنسا لها مصالح في الجنوب، وإيطاليا لها مصالح في مصراتة وطرابلس، أما ألمانيا فهي عراب لبريطانيا في المشهد الليبي وسهلت التدخل التركي بعد مؤتمر «برلين 1» الذي يعد ركيزة للدمار وليس للاستقرار، وبعده حدث التدخل التركي السافر بالبوارج والطائرات في مصراتة وطرابلس وجلب المرتزقة.
- لماذا فشلت السلطة التنفيذية الجديدة في حل أزمة المرتزقة؟
لم تبذل السلطة التنفيذية الجديدة متمثلة في المجلس الرئاسي والحكومة جهودا لإجلاء المرتزقة، وهو ما يعد معضلة كبرى للأزمة الليبية، ما جعل هذه الميليشيات تسيطر على الموقف الأمني في العاصمة طرابلس على وجه الخصوص وغرب البلاد بشكل عام.
وهو ما صعد الخلاف بين البرلمان ورئيس الحكومة الدبيبة بعد صدور قرار من مجلس النواب بتحويل الدبيبة إلى المحاكمة بتهمة مساندة ودعم هذه الميليشيات.
حل أزمة المرتزقة مرهون أيضا بالإرادة الدولية القوية التي تستطيع كبح جماحها وإخراجها بالقوة من الأراضي الليبية كافة.
- هل تؤيد دمج الميليشيات في الأجهزة الأمنية بعد تفكيكها ونزع السلاح؟
دمج عناصر الميليشيات بأجهزة الدولة صعب، لأن القوات الشرطية والعسكرية لها قوانين ولوائح ونظم، من يريد التقدم إليها يجب أن تنطبق عليه تلك الشروط، من حق أي ليبي أن يكون عضوا في المؤسسة الأمنية أو العسكرية مادام لم يتورط في دم أو سرقة، لكن دمج الميليشيات مرفوض شكلا وموضوعا لأن عناصرها لا يعرفون إلا القتل والعنف ولغة الدماء والاستيلاء على أموال الغير.
- هل الإفراج عن عدد من السياسيين بداية لتدشين مرحلة جديدة في ملف المصالحة الوطنية؟لم يفرج عن أي سياسي كما يروج البعض، فقط عن الساعدي معمر القذافي، وكان متهما بقتل لاعب وبشهادة 4 شهود تم تجريد القتيل من ملابسه وربطه بالحبال وركله في جسده ثم تركه لكلاب الساعدي لنهشه، والإفراج عن نجل القذافي يهدف إلى التأثير على قبيلة «القذاذفة» والحصول على أصواتهم في الانتخابات.
أيضا أحمد رمضان الأصيبعي، أو ما كان يطلق عليه «قلم القذافي» ومدير مكتبه الخاص، والهدف أيضا أصوات مدينة الأصابعة.
- القبائل الليبية لها دور وطني كبير، كيف سيكون تمثيلها في مرحلة ما بعد انتخاب رئيس وبرلمان جديدين؟
القبائل الليبية منحازة إلى الوطن والدولة المدنية والمصالحة، وبذل أفرادها تضحيات كبيرة من أجل استعادة أمن واستقرار البلاد، وكان للقبائل مواقف، أبرزها التواصل مع المشير خليفة حفتر ومطالبته من أهالي بنغازي بقيادة المعركة ضد الإرهاب وبدأ في إعادة تنظيم القوات المسلحة وتم البدء في مواجهة ودحر التطرف في بنغازي وأجدابيا والهلال النفطي ودرنة، وتوجيه ضربات قوية للإخوان ومن خرج من عباءتها من التنظيمات والجماعات مثل داعش.
- كيف ترى دور المملكة في دعم القضية الليبية؟
الشعب الليبي لا يمكن أن ينسى من وقف بجواره وسانده في أزمته، وقدمت المملكة وقيادتها نموذجا رائعا في دعم الليبيين؛ إذ كانت دائما حاضرة بقوة في جميع اللقاءات السياسية الدولية والعربية التي تهتم بالشأن الليبي.
واستضاف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، رئيس البرلمان عقيلة صالح، وقائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر في مناسبات عدة، وقدمت السعودية إمكاناتها كافة من أجل عودة الأمن والاستقرار إلى ليبيا، وسخرت جهودها لدعمنا في القضاء على الإرهاب ومواجهة خطر الميليشيات والجماعات المتطرفة والمسلحة.
وهو ليس غريبا على المملكة، الدولة ذات الثقل الدولي وليس العربي فحسب، والشريك الدائم في حلول جميع القضايا المهمة في المنطقة خصوصا المتعلقة بالدول العربية.
الليبيون لن ينسوا دعم ومساندة قيادة المملكة لشعبنا