غنية الغافري

أحرص أنا وصديقتي على رياضة المشي خاصة عندما يصبح الجو لطيفا وفي كل مرة نختار مكانا مختلفا لطرد السأم ولا يخلو يوم من أيام رياضتنا الشيقة من أحاديث ماتعة قررنا أن نبدأها بتذكر نعمة من النعم ولا أخفيكم سرا أننا كنا نكرر نعمة الوطن والأمن في كل مرة ونحن لا نشعر، وحقيقة إن هاتين النعمتين في حد ذاتيهما تستحقان الاستشعار، وقد حدثني أحد الأقارب حين سافر لإحدى الدول الغربية كيف يعامل اللاجئ وكيف هو دون كرامة مثقل بحياة المنة والأذى لأنه يعيش بمبدأ «احمدوا ربكم» فيما يترجم ألمه بالمثل الشعبي «من خرج من داره قل مقداره» وهذا ما يوضحه الروائي السعودي علي الشدوي في رواية «طيور إثيوبيا» عن علاقة الإنسان بوطنه واستقراره وتوازنه الوجداني والوجدوي الذي يفقده بمجرد اضطراره للهروب بدافع الحروب أو انعدام الأمن أو الفقر فيفقد أرضه وترابه ويتحول لهوية جديدة مغايرة لهويته.

إن اضطرار الإنسان لترك موطنه شعور مؤلم، وجسد شعراء المهجر هذه المعاني في قصائدهم بما فيها من حنين رغم أنهم يعيشون حياة كريمة لم يذوقوا حياة مخيمات اللاجئين المؤلمة.

يقول الإمام الغزالي: «البشر يألفون أرضهم على ما بها ولو كانت قفرا مستوحشا وحب الأوطان غريزة متأصلة في النفوس تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه ويحن إليه إذا غاب عنه ويدافع عنه إذا هوجم ويغضب له إذا انتقص».

إن الانتماء للوطن يتمثل داخله وخارجه وخير تمثيل له هو عدم التناقض أو الخروج من دائرة قيمه وثوابته لأن الظهور بخلاف ذلك عقوق وانهزامية، إن المظهر العام للمواطن الحقيقي ليس زيا شعبيا تراثيا إنما هو قيمة تتحدث عن هوية مرتبطة بهذا البلد وسلوكه خارج بلاده يعكس حقيقة بره وحبه الحقيقي، وأتذكر أني قرأت خبرا عن انسحاب المصارع الهندي جاسكانوار سينق جيل من بطولة دولية في تركيا بعد إبلاغه أنه لا يستطيع المنافسة وهو يرتدي عمامة طائفة السيخ التي ينتمي لها ودافع عن قراره بكل قوة ولم يبد أي ندم لأنه يؤمن بأن اللباس رسالة دينية وطنية وهذا فعلا ما نلحظه من هذه الطائفة من تمسك بشعائرهم ورموزها.

لن نتحدث عن الانهزامية لبعض شبابنا وبناتنا والرسالة المشوهة غير المسؤولة التي يرسلونها لكن يكفي أن نلقي نظرة على وسيلة واحدة من وسائل التواصل التي تكاد «تطق» منهم وتنفجر غيظا ولولا قرار النيابة العامة مؤخرا بمعاقبة منتجي ومروجي ومرسلي المواد والمقاطع التي تمس الآداب العامة والقيم الدينية لتمادوا في غيهم والتي غلبوا فيها المادة وزيادة المتابعين على أن يكونوا سفراء مشرفين لوطنهم عبر منصاتهم، إن محتواهم في تلك المنصات محتوى مقزز صوروا فيها ما لا يصور ! وتحدثوا عما لا يتحدث عنه ! ورسموا انطباعا لا ينطبق وسمو ورفعة المكان العالي لبلدنا.

إن البقعة الجغرافية المباركة التي نعيش فوقها أتاحت لنا حياة كريمة نحيا فيها آمنين مطمئنين نمارس حياتنا بكل راحة لا تريد منا حبا شكليا وإعلاما ومنتجات نلقيها نهاية حفل راقص ثم ندوسها! إن الأوطان تحتاج منا حبا حقيقيا تجعلنا لا ننساق وراء أهواء لا مسؤولة وأخلاقيات لا أخلاقية! و(ترند) غير مقبول! و(ثروباك) غير لائق. وختاما تهنئة قلبية لمملكتنا الغالية بيومها الوطني 91 ولنقدم رسالة جميلة متزنة عن وطننا فهي تستحق الأجمل ولنرسم معالم جميلة لوطن يستحق.

خاتمة:

الناس حساد المكان العالي

يرمونه بدسائس الأعمال

ولأنت يا وطني العظيم منارة

في راحتيك حضارة الأجيال

يا قبلة التاريخ يا بلد الهدى

أقسمت أنك مضرب الأمثال

@ghannia