تعيش المملكة العربية السعودية مناسبة عزيزة على قلوب المواطنين والمقيمين على حد سواء، وهي مناسبة اليوم الوطني للمملكة الـ91، فالمملكة دار للجميع، وهي لنا دار، خيرها عمّ الجميع القاصي قبل الداني، والحديث عن تلك المناسبة لا بد أن يتضمن بطل ملحمة التوحيد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – رحمه الله – حتى تتعرف الأجيال على هذه الشخصية الفذة وما كابدته في سبيل توفير وطن مترامي الأطراف يرفل في الأمن والأمان كل من يعيش فوق أديم أرضه.
وفي هذا اليوم الذي تحتفل فيها المملكة بهذا التوحيد الذي يقطف ثماره الأحفاد، نستذكر الشهادات التي تقاطرت واجتمعت حول شخصية عظيمة كانت تعيش تاريخ الدولة السعودية الأولى في مرحلتها الأولى والثانية وتتمثل هاتين الدولتين، وتريد أن تعيد لهذه الجزيرة بهاءها الذي فقدته والأمن الذي افتقدته، ولم يكن هذا ممكناً إلا في ظل التوحيد الذي كان يحتاج إلى شخصية أجمع المواطنون والأجانب الذين زاروا الجزيرة العربية على عبقريتها وعلى امتدادها العالمي وليس المحلي فقط.
وفي هذا السياق يقول الباحث أول في مركز الملك سلمان لدراسات تاريخ الجزيرة العربية وحضارتها – سابقاً- الدكتور محمد خير محمود البقاعي: في مناسبة اليوم الوطني يتبادر إلى أذهاننا على الفور جميعاً تلك الشخصية الكاريزماتية العظيمة التي يعيش السعوديون خصوصاً والعرب جميعاً في ثمرة جهوده وكفاحه ونضاله في سبيل توحيد المملكة، إنه موحد البلاد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن – رحمه الله-.
وأضاف الدكتور البقاعي قائلاً: إن كل الذين قابلوا الملك عبدالعزيز والذين كتبوا عنه، يشهدون له بتلك البراعة العالية في الكلام وتلك الحجة التي كان يمتلكها في مواجهة خصومه وأصدقائه، كان يحب العفو كان رجلاً لا تستطيع أن تصل معه إلا إلى التوافق الذي كان يسعى إليه بكل ما امتلك من قوة.
واستذكر البقاعي أمثلة عديدة وشهادات مختلفة قيلت في شخصية الملك عبدالعزيز منها: شهادة الفرنسي الفنان الكبير ناصر الدين دينيه الذي كان من كبار الرسامين الفرنسيين الذي أسلم وجاء إلى الحج عام 1929م، وكان الملك عبدالعزيز –حينذاك- قد دخل الحجاز، ونشر فيها ما كانت تفتقده من أمن وأمان ومن تقاطر وفود الحجاج بكل راحة وبكل يسر إلى قلب العالم الإسلامي.
ومما كتبه الفنان الفرنسي ناصر الدين دينيه بعد اجتماع مع الملك عبدالعزيز في أحد المجالس حينما كان في الحجاز، في كتابه الحج إلى بيت الله الحرام الذي صدر عام 1348هـ: وبعد صلاة المغرب وتناول العشاء عدنا لسماع الخطبة التي سليقيها هذا المسلم العظيم، وما هي إلا هنيهة حتى بدأ جلالته، ولم يغير شيئاً من هيئته الأولى فها هو جالس في مكانه وقد انحنى قليلاً نحو الحاضرين، وابتدأ خطابه بإلقاء طبيعي سهل، كان خالياً من تلك الإشارات التمثيلية الثقيلة، سالماً من تلك الحركات المتكلفة الركيكة وتلك الأصوات المزعجة، فالرزانة والرجولة والاعتداد بالنفس كلها تتفجر في خطبته، ومن العجيب ألا يفارق حالته العادية وهدوءه المعتاد حتى في ذلك الوقت الذي يبحث فيه أخطر المسائل وأهمها، ولم نر منه إشارة سوى ضم سبابتيه حينما يتكلم عن الاتحاد، وتفريقهما حينما يتكلم عن التفرق، ورغم هذا كله فقد كنا نحس بأن وراء هذا الهدوء وهذه البساطة وهذه الرزانة حزماً وعزماً وبطولة فذ يختص بها.
وهنا شهادة أخرى وهي من الكاتب كنث وليامز، حيث يقول: مواهب ابن سعود الخطابية عظيمة فهو يظهر مقدرة عجيبة في أحاديثه العامة والخاصة وهو إذا تكلم تدفق كالسيل، يحب التحليل ورد الشيء إلى أصله، شديد الولع بتشريح المواضيع تشريحاً يدل على ذكاء وفطنة ولباقة، يخاطب البدوي بلهجة البدوي، والحضري بلهجة الحضري وما استمع أجنبي إليه إلا خرج مفتوناً بحديثه.
وروى المؤرخ خير الدين الزركلي في كتابه شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبدالعزيز أوصافاً دقيقة لكل ما يتعلق بالقائد العظيم، ومما قال عنه في أحاديثه وخطبه: ليس من المبالغة ولا من الثناء أن أذكر أن عبدالعزيز كان عجباً في سرعة الخاطر إذا تحدث وفي قوة الحجة إذا أراد الإقناع... وسر القوة في حجة عبدالعزيز أن عقله كان يسبق لسانه، وأنه ينسى العاطفة أمام المنطق ولا يقول إلا كما يعتقد.. لم يكن يهيئ الخطبة كما يفعل أكثر الناس...يتحدث حين يخطب منطلقاً على سجيته غير متأنق ولا متكلف فيفيض في الشطر الأول من خطبته – أو من حديثه – بما تمليه عليه ذاكرته من عظات يستمدها أو يستمد معاني أكثرها من الحديث النبوي الشريف ومن آيات كتاب الله ويأتي بالشواهد وقد يتمثل بالبيت من الشعر أو بالشطر يرد في كلامه عرضاً لا على أنه قول ينشد ولكن على أنه كلام محكم يورد...ويتناول الموضوع فإذا كان عادياً كافتتاح مشروع أو تحدث إلى فريق من الناس، تكلم هادئاً متمهلاً تتخلل قوله ابتسامة خفيفة تجتذب إليه قلوب سامعيه، وإن لم تكن الابتسامة فليس هناك عبوس ولا تجهم ولا يلمح على وجهه في أي حال ما يعلو وجوه معظم الخطباء من تحديق من قريب أو من بعيد، ومن اصطناع للجد، لا أثر للنكتة في خطاباته، ولا توقف لمعرفة رأي السامع فيما يقول.
ويقول الدكتور البقاعي: هذه المجموعة من الصفات المتمثلة في شخصية الملك عبدالعزيز من قدرة على الإقناع ومن بلاغة لا حد لها ومن ثبات ومن بعد عن المجاملات عندما يتعلق الأمر بمصير الشعب وبمصير الدولة، والانفتاح وحب الشعب وحب الدولة ونشر الأمن والأمان. تذكرنا بشخصية نعيش معها في وقتنا الحاضر، ونرى فيها ملامح المؤسس العظيم، وهي شخصية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله - فحري بالسعوديين وبكل من يعيش على أديم أرض المملكة أن يحافظ على أمنها وأمانها ومما تحقق لها من مكتسبات.