د. شلاش الضبعان

ذكر ظهير الدين البيهقي في تاريخ حكماء الإسلام أن: أميرًا من أمراء سمنان جاء إلى العالم الموسوعي الحسن بن الهيثم يطلب العلم، فقال له ابن الهيثم: أطلب منك للتعليم أجرة وهي مائة دينار في كل شهر، فبذل ذلك الأمير مطلوبه وما قصر فيه وأقام عنده ثلاث سنين، فلما عزم الأمير على الانصراف قال له ابن الهيثم: خذ أموالك بأسرها فلا حاجة لي فيها، وأنت أحوج إليها مني عند عودك إلى مقر ملكك ومسقط رأسك، وإني قد جربتك بهذه الأجرة؛ فلما رأيتك قابلا لبذل الأموال الجمة في طلب العلم بذلت مجهودي في تعليمك وإرشادك، واعلم أن لا أجرة ولا رشوة ولا هدية في إقامة الخير، ثم ودعه وانصرف.

بودي أن نأخذ من هذه القصة أمرين: عظم رسالة المعلم فقد ذهبت الأموال وبقي لابن الهيثم بهذه القصة الذكر، ولذلك يجب أن يسمو المعلم دوما على كل ما يخدش صورته أو ينزل من قدره، وبالعادة الطلاب لا تتجرأ إلا على من يسمح لهم بالتجرؤ عليه.

والأمر الثاني: أهمية العناية بأنفسنا وأبنائنا في طلب العلم واختيار المدرسة المناسبة حتى ولو بذلنا الأموال، فتنمية العقل والرقي بالأبناء فكريا مشروع ذو عوائد، كل ما صرف من أجله سيعود بأرباح.

اليوم البعض يصرف في المطاعم والمقاهي مع الضرر المحتمل أكثر مما يصرف على بناء فكره، ففي الأولى لا يبحث إلا عن الغالي أو ما يرفعه عند التصوير، وفي الثانية لا يبحث إلا عن المجاني، وهذا خلل يجب أن يُعالج إن كنا نريد النجاح.

المكتبة في البيت رصيد طويل الأجل حتى ولو كلفت الأموال.

والدورة التدريبية استثمار، والدورات المميزة بمقابل في العادة.

والدراسة حتى ولو كانت بمقابل نجاح ولو لم تحصل بسببها الوظيفة، لأنها تحقق لك من الالتزام ما لا تحققه القراءات الحرة.

دخل يوما أحد الأشخاص المتعلمين -مع شديد الأسف- مكتبة شخص آخر وعندما نظر إلى كتبه قال: صاحي يا فلان؟! معقول كل هذه الكتب تقرأها.

عرف صاحب المكتبة أن هذا الشخص حتى ولو ملك الشهادة فهو من الجهل بحيث لا يمكن إقناعه بأن من هذه الكتب مراجع وكتبا تخصصية وقراءات حرة وعنوانا جميلا فأجاب جوابا يناسب الحال: سؤالك يا فلان مثل سؤال أحد عجائزنا، كلما دخلت المكتبة قالت: بالله كل هذه الكتب تقرأها؟!

@shlash2020