بديعة إبراهيم

إننا نعيش على نوع من الاعتياد، اعتياد يمر بالأجيال فتتناقل منه خرز محبيك بطريقة صريمة، هكذا تبدو في نظري، وتتكاتل الأجيال وفي جيوب زمانهم يكمن ذلك الخرز، يخبئونه في أيديهم ثم يضعونه في جيوب مَنْ سيأتي بعدهم، الأمر ليس مقتصرًا على عادة، فبالعكسِ نحن مجتمع تكتلت فيه عادات العروبة وجماعاتِ العزة والمُكنة والقوة، فالعيب ألا تؤخذ عادات أجدادنا بنظرة صارمة وقلبٍ رحب.. لكن حديثي يتكلم عن انصبابات عادة نقل العلم في العالم أجمع، ومن جيل إلى جيل ومن معلم إلى معلم، إنه مثل صنبورٍ لا يتوقف عن الجريان بنفس الكثافة، تلقين في تلقين، بل حفظ في حفظ، لا شيء يعادل عقل طفلٍ أو شاب يكبر على التحديق في الأشياء، ولا شيء يعادل أن يقف إنسان أمام نقطة فيحللها بطريقته كيفما يشاء، فالعلم ينتج عندما يتعلم المرء كيف يحافظ على دهشته وراء الأشياء، وكيف يحمل حقيبة مليئة بالحاجات. هكذا سيعرف كيف يتعلم بإخلاص، وكيف يمنح للوقت قيمةً وثمناً. يتمنى ألا ينصرف من الحياة إلا بعد ما ينتهي من إشباع رغبته وحاجاته الملحة، إنني لا أبالغ، فالدراسةِ مهمة ولا خروج للإنسان من غمام الحياة إلا عند الحصول على شهادة مختوم عليها وموثقة، لكن العلم الخاص به، الذي يختاره بنفسه هو ما يرفع طاقته للحياة.. فمثلًا عندما نرى طالبًا لا يجلب درجات جيدة في المدرسة نتيجةً على أنه لا يستجيب، فبالتالي المعلم لا يجب أن يقول إنه يعلم، هو يثابر في أن يتعلم طلابه لكن البعض لا يرى نفسه في هذه المادة، أما الطالب الذي يجلب درجاتٍ جيدة في جميع المواد، فهو يشبه الإنسان دائمًا، الذي يسير على اعتياد كامل في جميع مراحل حياته وظروفه الذي يعتقد أن هذا مكانه وهذا ما يرغب به، أكرر (المدرسة مهمة والشهادةِ أهم) لكن فسح مجالٍ لعقولنا هو ما سيطعمنا الحياة ويشعرنا بلونها، فلنحاول نشر الثقافة بناءً على حاجات تساؤلاتنا. بدلًا من نشرها على هيئة كتاب نصي بحت يحث على التلقين فقط دون طرح تساؤلات ومحاولة الإجابة عنها، لذلك أتكلم عمن لم يجد نفسه ولم يحاول البحث عنها، بل صففتها له الحياة دون إذن.

في النهاية، نحن نستحق أن نحتفظ بدهشتنا الطفولية. ونمارس أفكارنا الحية، ونحاول الابتعاد عن التمثيل والتبعية العلمية.

Twitter: @baoqqq