هناء مكي

هناك نظرة مستقبلية تتفق عليها وكالتا التصنيف العالميتان فيتش وستاندرد آند بورز وتقريرا النقد والبنك الدولي مع البيانات المحلية الصادرة على أن المملكة تبلى حسنا في إعادة هيكلة الاقتصاد وتجاوز الأزمات الأخيرة من تذبذب أسعار النفط وجائحة كورونا، والاعتماد على المشاريع غير النفطية.

خمس سنوات فقط تنجح فيها في تحقيق الأهداف المبدئية ومتوسطة الأجل للرؤية 2030 هو إنجاز فارق في عالم الاقتصاد، فوفقا لتقرير فيتش الصادر منتصف يوليو الماضي، ارتفاع عجز ميزانية 2020 إلى 11.2 % من الناتج المحلي الإجمالي جاء أقل حدة مما كان عليه خلال تراجع أسعار النفط في 2015-2016 بفضل الإصلاحات المالية اللاحقة، واستجابة السياسات في 2020، وتحويلات الميزانية الاستثنائية من البنك المركزي السعودي وصندوق الاستثمارات العامة، ورفعت الحكومة معدل ضريبة القيمة المضافة بمقدار ثلاثة أضعاف إلى 15 % في يوليو 2020، ورفعت الرسوم الجمركية وأعادت ترتيب أولويات الإنفاق، وتجاوز إجمالي إنفاق الميزانية بنسبة 5 % فقط بسبب تقليص رأس المال وتعليق دفع بدل غلاء المعيشة، وارتفعت الإيرادات غير النفطية إلى 18.5 % من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بنسبة 10 % سجلت في 2015.

وتوقعت الوكالة انخفاض عجز الميزانية إلى 3.3 % من الناتج المحلي الإجمالي في 2021، بما يتجاوز النسبة المستهدفة في الميزانية البالغة 4.9 %. ووفق تقريرها «تميل السياسة المالية إلى أن تكون مسايرة لدورة أسعار النفط، لكننا نتوقع أن يظل الإنفاق في الميزانية مرتكزا بشكل أفضل على خطط الميزانية في 2021 نظرا إلى التوقعات غير المؤكدة لأسعار النفط على المدى المتوسط، واستهداف الحكومة تحسين الهيكل المالي للمملكة وزيادة إنفاق القطاع العام خارج الميزانية، ومع ذلك، يمثل ارتفاع أسعار النفط في عام 2021 اختبارا لزخم الإصلاح، بما في ذلك الأجور والدعم. وقد تتباطأ الإصلاحات المخطط لها في هذه المجالات».

وبحسب الهيئة السعودية العامة للإحصاء يرجع النمو الإيجابي إلى الارتفاع الذي حققته الأنشطة غير النفطية بنسبة 10.1 %، بالإضافة إلى الارتفاع الذي حققته الأنشطة الحكومية بمقدار 0.7 %، بينما شهدت الأنشطة النفطية انخفاضا قدره 7.0 %.

كذلك يرى تقرير آفاق للبنك الدولي الصادر في يونيو الماضي، أن انخفاض إنتاج النفط زاد من انكماش القطاع النفطي، وفي المقابل شهد القطاع غير النفطي استمرار الانتعاش ما يدعم التعافي من آثار الجائحة. وقد قام البنك الدولي بتعديل عوامل تقديراته حول الاقتصاد السعودي نتيجة استجابة للتطورات الإيجابية الملحوظة من قبل الحكومة السعودية لصد جائحة كورونا، بجانب عامل صعود أسعار النفط، والبدء في برنامج الاستثمارات الحكومية الجديد من خلال «صندوق الاستثمارات العامة».

كما أكد تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في يوليو الماضي، استمرار تعافي الاقتصاد السعودي، وتباطؤ تضخم مؤشر أسعار المستهلكين، وتوقع أن يصل نمو إجمالي الناتج المحلي غير النفط إلى 4.3 % هذا العام، و3.6 % العام القادم. وإلى قيادة القطاع الخاص للنمو في هذا العام ليبلغ 5.8 %، ويستمر نموه على المدى المتوسط والطويل بنسبة 4.8 %.

فيما أكدت وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز في تقريرها في مارس الماضي، أن المملكة لا تزال تمتلك أصولا سيادية قوية، وأن الحكومة مستمرة في تحقيق الرؤية 2030 الطموحة منذ الإعلان عنها في 2016، وتوقعت أن يظل المركز المالي وصافي الأصول الخارجية على مدى العامين المقبلين قويا بما يكفي لدعم التصنيف الائتماني «A-».

وذكرت أن السعودية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تحتفظ بقدرة كبيرة على تصدير النفط الفائض، وبالتالي فهي قادرة على زيادة (أو خفض) الإنتاج بنحو 2 مليون برميل في اليوم في غضون أيام، إلى جانب قدرتها الإنتاجية الكبيرة ودورها الريادي في أسواق النفط ومنظمة أوبك، فإن هذا يوفر لها بعض قوة التسعير من جانب العرض والمرونة المالية التي لا تتوافر لمنتجي النفط الآخرين.

وهذا يبرهن على النجاح في تحقيق توازن هام في مرتكزات نموها الاقتصادي بين دورها في المشاريع النفطية ونجاحها في المشاريع غير النفطية، هذا التوازن الذي تعلمته من تجربتها في 2016 ألا تترك اقتصادها في مهب أسعار النفط لتهوي بها، لعل أزمة كورونا كانت اختبارا حقيقيا لقياس فاعلية أهداف الرؤية المستقبلية.

@hana_maki00