حذيفة القرشي - جدة إعداد: نورهان عباس

وسط توقعات بانتعاش النمو حتى 2024

صنف أحدث تقرير صادر عن وكالة «ستاندرد آند بورز» العالمية للتصنيفات الائتمانية الاقتصاد السعودي بنظرة مستقبلية مستقرة عند A-/A-2، متوقعاً مرور المملكة بفترة من الانتعاش الإيجابي في الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة بين 2021 وحتى 2024.

توقعت الوكالة العالمية نمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بنسبة 1.9 % في عام 2021، بعدما انكمش بنحو 4.1 % خلال العام الماضي، بينما سيحقق الاقتصاد صعوداً لافتاً خلال 2022 محققاً نمواً بواقع 2.9 %، ثم 2.4 % في 2023 و2.2 بنهاية 2024.

وقالت الوكالة في التقرير الذي تلقت «اليوم» نسخة منه، وقامت بترجمة أبرز نقاطه: «سيؤدي ارتفاع أسعار النفط مقارنة بعام 2020، وتخفيض حصص إنتاج أوبك، مع الانتشار الواسع للقاحات كوفيد- 19 إلى انتعاش النمو الاقتصادي في المملكة خلال الفترة 2021 - 2024».

تغير إيجابي يحفز الاستثمارات

أكدت المستشارة الاقتصادية رنا زمعي أن التغير الإيجابي والاستقرار الاقتصادي الذي يظهره التقرير ما هو إلا جمع لجميع الأرقام القياسية المتقدمة التي حققتها المملكة اقتصاديا على جميع الأصعدة، وهنا يجدر الإشارة إلى المبادرات والبرامج الداعمة التي أطلقتها مختلف القطاعات الحكومية لدعم القطاع الخاص أو حتى تحفيزه ليواكب توجه قيادة الدولة ليكون شريكا في عودة مؤشرات النمو الاقتصادي إلى المنحنى الإيجابي.

وأوضحت أن بحسب التقرير فإن مقومات استقرار السوق السعودي يمكن رؤيتها حاليا وأكبر دليل هو استمرار مضي جميع الأجهزة المعنية لتحقيق أهداف الرؤية الوطنية والتركيز على الإنجازات في كل المجالات، مما أعطى الاقتصاد الحالي الصحة والمرونة المالية التي لها دور كبير في سرعة التعافي.

وأشارت إلى برنامج تطوير الصناعات الوطنية ندلب وهو من أقوى ما نشاهده اليوم من برامج ويبشر بالنمو والازدهار في قطاع الصناعات غير النفطية وزيادة المحتوى المحلي وهذا لا شك يصب مباشرة في تحقيق التنويع الاقتصادي وزيادة فرص الاستثمار.

قال الكاتب والمحلل الاقتصادي عبدالرحمن الجبيري: إن تحديث وكالة التصنيف الائتماني إس آند بي لتقريرها الائتماني للمملكة العربية السعودية، وتصنيفها للمملكة الذي نشرته في شهر مارس 2021م عند «A-» مع نظرة مستقبلية مستقرة يأتي كانعكاس للأداء النوعي والفعلي لمكونات الاقتصاد الكلي وما صاحبه من تطوير وإصلاحات هيكلية ومبادرات وبرامج ومنها‫ برنامج تطوير القطاع المالي‬ وغيرها الكثير من البرامج المالية التي ساهمت في تحقيق الكثير من مستهدفات رؤية المملكة 2030.

وأشار إلى أن كفاءة وجودة الأداء الاقتصادي والمالي أسهمتا في تحقيق مراكز متقدمة في العديد من المؤشرات العالمية؛ مما عزز من قوة ومتانة الاقتصاد السعودي بثقة اقتصادية واستثمارية عالية تتعاظم معها ثقة المستثمرين وجاذبية الاستثمار وقدرة الاقتصاد على التكيف الفعّال مع أي من المتغيرات والظروف، وبالتالي مواصلة النمو الاقتصادي حيث يشير التقرير إلى النمو في الأنشطة الاقتصادية في تحقيق مستهدفاتها مرتفعاً للغاية.

وتابع: تعتمد معايير التصنيف الائتماني على عدد من المؤشرات المنهجية ومنها القوة والحوكمة للمؤسسات المالية وقدرتها التنافسية وإدارة التدفقات المالية وأداءها والجدارة الائتمانية لها، والتي أكدت على نظرة مستقبلية مستقرة عززها متانة المالية العامة واستدامتها وارتفاع الاحتياطات الأجنبية وانخفاض الدين العام ونمو الأصول الحكومية الضخمة، خاصة أن المملكة لا تزال تمتلك أحد أكبر الأصول السيادية إضافة إلى متانة القطاع البنكي السعودي وتشريعات البنك السعودي المركزي ونجاح منهجية تنويع مصادر الدخل وخلق اتجاهات واسعة نحو إسهامات القطاع غير النفطي.

وأوضح أن هناك العديد من الاستثمارات الأجنبية الجديدة في المملكة، لافتاً إلى أن توقعات الوكالة بشرت بعودة الاقتصاد السعودي إلى النمو الإيجابي في 2021م، وعودة مستوى الحساب الجاري إلى الفائض مع تقليص نسب العجز في المالية العامة في عام 2021م، وانتعاش النشاط الاقتصادي غير النفطي في الربع الثاني من عام 2021، مع تطورات في عدد من القطاعات بمجال العقارات والتصنيع وتجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق. إضافة إلى تقديرات الوكالة في جانب المالية العامة حيث قدرت في تقريرها الحالي أن يصل العجز من الناتج المحلي للعام المالي 2021م حوالي (4.3) % مقارنة بـ (5) % مع الأخذ بعين الاعتبار جودة الأصول السيادية لدى البنك المركزي السعودي وصندوق الاستثمارات العامة.

وأشار إلى أن، الوكالة قدرت أن يحقق الحساب الجاري فائضاً يقارب 3.3 % من الناتج المحلي الإجمالي للعام المالي 2021م و2.5 % في الفترة ما بين 2021 - 2024 وأن يبلغ حجم الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2021م حوالي 30.2 % مقارنة بانكماشه في العام 2020م بحوالي (4.1) % كما توقعت الوكالة نمو الناتج المحلى الإجمالي الحقيقي لاقتصاد المملكة بحوالي 2.4 % في الفترة ما بين 2021 - 2024.

وتابع الجبيري: أسهمت الإصلاحات الاقتصادية في تعزيز أداء القطاعات المختلفة ومنها نمو الصادرات السلعية إضافة إلى نمو الإيرادات غير النفطية التي بلغت ما يقارب نصف إجمالي الإيرادات في العام 2020م. من هنا نجد أن الإنفاق الاستثماري السعودي أحد أهم المرتكزات التي تعزز من كفاءة الأداء والحراك الاقتصادي من خلال دعم النفقات الرأس مالية المحلية وتمويل المشروعات الكبرى عن طريق صندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية الوطني، والاستمرار بإجراءات دعم النمو والاستثمار الأجنبي المباشر الذي ارتفع بنسبة 20% في عام 2020 و11.3 % خلال الربع الأول من عام 2021م.

انعكاس للمبادرات والإصلاحات الاقتصادية

موازنات نفطيةأشارت الوكالة إلى أنه خلال العام الحالي تمت موازنة أسعار النفط المرتفعة جزئياً من خلال أحجام إنتاج النفط السعودي السنوية المقيدة، والتي لا تزال محدودة وفق اتفاق منظمة «أوبك».

مع ذلك، فإن التخفيض الشهري للحصص حتى 2021 و2022 سيدعم قطاع النفط السعودي والاقتصاد.

قالت الوكالة: «عادت المملكة في عام 2021 إلى إستراتيجيتها الطموحة للاستثمار والتنويع الاقتصادي، مع استثمارات كبيرة يضطلع بها صندوق الاستثمارات العامة (PIF)، وكيانات أخرى في كل من القطاعات الهيدروكربونية وغير الهيدروكربونية».

دعم ماليوستدعم أسعار النفط القوية في عام 2021 والأحجام الأكبر اعتبارًا من عام 2022، جنبًا إلى جنب مع التوسع في الإيرادات الحكومية وتدابير الرقابة على الإنفاق، المركز المالي للمملكة في الفترة بين 2021 - 2024.

وتوقعت الوكالة كذلك أن ينخفض عجز الحكومة المركزية بشكل حاد إلى 4.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي، ثم متوسط 5.7٪ في 2021-2024. وتابعت: «المقاييس الاقتصادية الخارجية للمملكة العربية السعودية لا تزال قوية. ونتوقع أن تغطي الاحتياطيات ما متوسطه 15 شهرًا من مدفوعات الحساب الجاري في 2021-2024، حيث تحتفظ الدولة بمركز قوي للأصول الخارجية الصافية».

في الإطار نفسه، تشير التوقعات المستقرة إلى أن الخروج من الوباء، وتحسن ديناميكيات قطاع النفط، جنبًا إلى جنب مع دعم حكومة المملكة العربية السعودية وصافي الأصول الخارجية، إلى أن التصنيفات الاقتصادية للمملكة ستحظى بالدعم اللازم.

سيناريو صعوديونوهت وكالة التصنيفات الائتمانية البارزة بأنه من الممكن رسم سيناريو صعودي لمستقبل المملكة يتم فيه رفع التصنيفات إذا تحسنت آفاق النمو الاقتصادي في المملكة العربية السعودية بشكل كبير، أو إذا تعزز وضع صافي الأصول الحكومية بشكل كبير. وقد يتبع ذلك نمو مستدام أقوى من المتوقع في إجمالي الناتج المحلي أو أداء مالي محسن.

بدأ اقتصاد البلاد في الانتعاش، حيث خرج الاقتصاد العالمي من الوباء وتحسنت أسعار النفط، على الرغم من أن هذه الاتجاهات لا تزال متوازنة من قبل المملكة العربية السعودية وأوبك التي تقيد إنتاج النفط، كما أن الاحتياطيات الوقائية لصافي الأصول المالية والخارجية (الأسهم) السيادية، التي تراكمت خلال السنوات الماضية من ارتفاع أسعار النفط، ستدعم التصنيفات.

وأضافت: «سيؤدي ارتفاع أسعار النفط، وتخفيض حصص إنتاج أوبك، ونشر اللقاحات على نطاق واسع، إلى انتعاش النمو الاقتصادي في 2021-2024 بعد الانتشار الواسع لكوفيد-19، وعمليات الإغلاق الصارمة في جميع أنحاء العالم، وما ترتب على ذلك من نتائج».

دور رياديوحول مؤشرات وتوقعات سوق النفط، افترضت الوكالة أن متوسط سعر نفط خام برنت يبلغ الآن نحو 65 دولارًا لعام 2021، متوقعة أن ينخفض إلى 60 دولارًا في عام 2022، و55 دولارًا من عام 2023. وقالت: «نتيجة لاتفاقيات أوبك+ الأخيرة، نقدر الآن أن متوسط الإنتاج السعودي سيبلغ حوالي 9 ملايين برميل يوميًا في عام 2021 قبل أن يبلغ المتوسط حوالي 9.7 مليون برميل في اليوم في عام 2022، وأكثر من 10 ملايين برميل في اليوم خلال سنة 2023».

ووصفت الوكالة المملكة بأنها واحدة من الدول القليلة في العالم التي تحتفظ بقدرة كبيرة على تصدير النفط الفائض، وبالتالي فهي قادرة على زيادة/ خفض الإنتاج بنحو 2 مليون برميل في اليوم في غضون بضعة أيام. إلى جانب قدرتها الإنتاجية الكبيرة و«دورها الريادي في أسواق أوبك العالمية والنفط»، وبالتالي، فإن هذا يوفر لها بعض قوة التسعير من جانب العرض، ومرونة مالية غير متاحة لمنتجي النفط الآخرين، مما يساعدها في استراتيجياتها المالية والنمو.

واختتمت الوكالة: «حسب توقعاتنا فإن أسعار النفط والمشاريع المستقبلية العملاقة في رؤية 2030، مثل مدينة نيوم التي ستجسد مستقبل المدن ويتم تزويدها بطاقة الهيدروجين، سيدفعان مستقبل المملكة للأمام».