عبدالله العولقي

عندما شوهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما وهو يحمل كتاب سقوط الغرب، دب الذعر في نفوس الأمريكيين حينها، بيد أن الشعوبيين سخروا مرددين أن الحضارات لا تسقط بهذه السهولة، أما مروجو نظرية السقوط فقد استدلوا ببحث علمي حصيف قدمه باحثان فرنسيان هما باتريك آرتو وماري بول فيرار خلصوا إلى أن العالم بدأ يتجه بالفعل إلى نحو الشرق والصين باعتبار أنها تمثل البيئة الأكثر أمانا وموثوقية من الرأسمالية الغربية المتوحشة.

ابن خلدون في مقدمته العظيمة أشار إلى أن الدول والحضارات تسير ضمن دورة تاريخية تتكرر ظروفها وأحداثها على الرغم من تباين ثقافاتها وأجناسها، وعندما نجحت الرأسمالية الغربية في هزيمة الشيوعية الاشتراكية تبجح الشعبويون الأمريكان بأن الحضارة الغربية تتسم بأنها استثنائية في التاريخ الحديث كونها حضارة تتجدد من داخلها بصورة مستمرة، لكن الحقيقة التي أصبحت مصدر قلق للعديد من الكتاب والمفكرين داخل أوروبا والولايات المتحدة تكمن حول الأزمات الاقتصادية المتعاقبة والتي باتت الرأسمالية الغربية عاجزة عن إيجاد حلول جذرية بسبب الذهنية المتغطرسة والتي ترفض الاستفادة من التجارب الناجحة الأخرى في الشرق بسبب أنها فقط خارج السياق الغربي.

خروج الولايات المتحدة من أفغانستان بهذه الصورة المفاجئة والمخزية جعلنا نسترجع العديد من آراء الكتاب والمفكرين حول مستقبل الرأسمالية الغربية، لا سيما المتعلق بموضوع المنهجية السياسية الأمريكية نفسها، فلو تأملنا كتابات العديد من المفكرين الأمريكان المصنفين من العيار الثقيل لوجدناهم دائمي التحذير من مغبة العجرفة في نمطية النهج السياسي، كما حصل في حرب فيتنام وما نتج عنها من خسائر جسيمة وخسارة عسكرية مدوية، أو كما حصل إبان الغزو الأمريكي لبغداد وكابول، كردة فعل متهورة غير محسوبة النتائج بعد انهيار برجي التجارة العالمية في نيويورك، ففي كتاب نشوء وسقوط القوى العظمى للكاتب بول كينيدي تحدث الكاتب بصراحة عن احتمالية أفول أو اضمحلال الحضارة الغربية كنظام سياسي واقتصادي بغض النظر عن صعود ونجاح التنين الصيني، وهذا ما كان يردده قديما المؤرخ الأمريكي ألفين توفلر في كتاباته وتنبؤاته.

وأخيرا،، لا شك أن الإنسانية عموما تدين بالفضل للحضارة الغربية نظير ما قدمته من قفزات جبارة على كافدة الأصعدة الإنسانية والعلمية والاقتصادية والإدارية، بيد أن الوحشية التي كثر الحديث عنها هذه الأيام كمتلازمة تاريخية للرأسمالية الغربية حوَلها كمؤشر تاريخي يعكس صورة التراجع والانهيار، يقول الأستاذ عبدالسلام فاروق: لماذا توصل العلم والبحث الطبي إلى ابتكار نحو عشرة لقاحات لفيروس كورونا خلال فترة وجيزة، بينما أخفقت ذات الشركات أمام الإيدز والسرطان وفيروس الكبد الوبائي رغم مرور عشرات السنين ؟، السر كله يكمن في جشع ووحشية شركات الدواء الأمريكية والأوروبية والتي تشكل العمود الفقري للرأسمالية الغربية.

@albakry1814