د. شلاش الضبعان

ذكر أبو حيان التوحيدي في كتابه «الإمتاع والمؤانسة»: كان للحسن البصري جار نصرانيّ، وكان له كنيف على السّطح، وقد نقب ذلك في بيته، وكان يتحلّب منه البول في بيت الحسن، وكان الحسن أمر بإناء فوضع تحته، فكان يخرج ما يجتمع منه ليلا، ومضى على ذلك عشرون سنة، فمرض الحسن ذات يوم فعاده النّصرانيّ، فرأى ذلك، فقال: يا أبا سعيد: مذ كم تحملون منّي هذا الأذى؟، فقال: منذ عشرين سنة. فقطع النّصرانيّ زنّاره وأسلم.

صبر 20 سنة على جاره! ليت بعض الجيران اليوم يصبرون على جيرانهم أقل من سنة، وما يجري اليوم بين بعض الجيران غريب في مجتمع مثل مجتمعنا، من أبرز ما يميزه ترابطه الاجتماعي، وكما قال الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- «كل من سمع النداء فهو جار».

عدم معرفة الجيران وعدم تواصلهم في المناسبات صورة لا تليق بمجتمعنا.

جار يعاني من الفقر والحاجة وجيرانه بأفضل حال، ومع ذلك لا يهتمون به ولا بأولاده، شيء غريب ورسول الإنسانية -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: «ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع».

جيران يعيشون في قطيعة بسبب مشكلة حصلت بين الأطفال شيء أغرب، فقد رجع الأطفال لبعضهم وبقي الكبار على قطيعتهم، وما زلت أرى وأذكر ما تربينا عليه، فقد كان أهلنا يخوفونا من الجار الغاضب، وإذا علموا أن أحد الجيران غضب علينا لتأخرنا عن الصلاة بسبب لعب الكرة، وقفوا مع الجار ضدنا، لأنهم يعرفون أن هذه هي مصلحتنا.

جار يؤذي جيرانه بوقوف سيارته أمام بابهم، أو مسابقتهم على ظل شجرة، أو صندوق النفايات أين يكون؟ شيء بعيد كل البعد عن قيمنا!

مثل هذه الصور تشوه مجتمع المكارم، ولذلك يجب أن نحاربها بكل وسيلة ونحافظ على ما يميزنا من خلال مساجدنا ومؤسساتنا التربوية، ومن خلال ممارساتنا، ومن خلال تربيتنا، ومن خلال لجاننا، ومشاريعنا التطوعية، وكل ما نستطيع.

كنت في مجلس أحد الأصدقاء، فقيل لأحد الحضور: لماذا لا تنتقل من الحي الذي تسكنه، فهو بلا خدمات؟! قال: ولكن أين أجد جارا إذا سافرت أخذ يرسل زوجته وأولاده على أولادي: هل تحتاجون شيئا؟ هل لديكم مريض؟!

يقول الشاعر مقحم الصقري:

الجار لابده مقفي عن الجار وكلِ بجيرانه يعد الوصيفة

أحد على جاره بختري ونوار وأحدِ على جاره صفاةِ محيفة

@shlash2020