عبدالله الغنام

هو من المؤثرين في التاريخ، وله بصمة واضحة في صناعة الرجال، خصوصا العباقرة والمبدعين منهم. وعمله ومهمته خالدة في عقول النشء جيلا بعد جيل. إنه مربي الأجيال الذي كاد أن يكون رسولا إنه (المعلم).

يوافق يوم (5) من شهر أكتوبر «اليوم العالمي للمعلمين»، الذي تحتفي به هيئة الأمم منذ (1994م)، وسبب وراء ذلك هي التوصية من اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) ومنظمة العمل الدولية لعام (1966م) بشأن أوضاع المدرسين. ونقلا عن موقع عن اليونسكو كانت التوصية هي: «مؤشرات مرجعية تتعلق بحقوق ومسؤوليات المعلمين، ومعايير إعدادهم الأولي وتدريبهم اللاحق، وحشدهم، وتوظيفهم، وظروف التعليم والتعلم».

والجدير بالذكر أن (التعليم) هو الهدف الرابع لهيئة الأمم من ضمن أهدافهم المستدامة (2030).

إن المتأمل لشخصيات العظماء والعباقرة والمؤثرين عبر أي عصر في التاريخ سيجد لا محالة أن للمعلم دورا لا يمكن تجاهله ولا نسيانه. وخذ على سبيل المثال سقراط، الذي كان معلما لأفلاطون. وأفلاطون كان معلما لأرسطو، وكل هؤلاء لهم تأثير ذو شأن في عالم الفلسفة. فحين نذكر الفلسفة لا بد من ذكر أسماء أحد هؤلاء وأفكارهم.

وحتى ترسخ الفكرة اسمحوا لي أن أضرب مثالا آخر وفي مجال مختلف كالشريعة والفقه، فالإمام مالك كان شيخا للإمام الشافعي. والشافعي كان أستاذا للإمام أحمد بن حنبل. وهكذا دواليك على طول طريق التاريخ سنجد شخصيات متعددة في مجالات مختلفة سواء علمية أو أدبية أو سياسية أو اقتصادية كان للمعلم أثر جليل على التلميذ أو على الجيل. ولكن سيظل أفضل معلم يحتذى به أسلوبا وكيفية عبر تاريخ البشرية هو حبيبنا محمد -عليه الصلاة والسلام-. يقول عنه معاوية بن الحكم السّلمي -رضي الله عنه-: «فأبي هو وأمي، ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه». وفي الحديث النبوي الشريف: «إن الله لم يبعثني معنِّتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً مُيسراً».

ودعونا ننظر إلى مسألة التأثير بمنظور أوسع، حيث أإن هناك الآلاف من المعلمين والمعلمات، الذين لهم دور حيوي ومهم في صياغة العقول وإلهامها، لأن الأجيال المتعاقبة أصبحت تمر عبر بوابة التعليم. وأذكر أنني قرأت في أحد كتب لغازي القصيبي -رحمه الله- عن أن الطريق إلى التنمية يمر أولا بالتعليم ثم التعليم ثم التعليم. واليوم نحن نقول أنه يبدأ بالمعلم.

والحقيقة حتى نصل لمستوى حضاري عالٍ في شتى مناحي الحياة لا بد من الاهتمام به، وأن يصبح على رأس الوظائف المرموقة، التي يتمناها وينافس عليها الشباب، وهذا لا يتأتى إلا بمنهجية قوية في صناعة المعلم. لتصبح مهنته تقارع الطبيب والمهندس ماديا واجتماعيا. ويُذكر أن نجيب محفوظ قال: يمتلك المعلم أعظم مهنة، إذ تتخرج على يديه جميع المهن الأخرى.

والمعلم يحمل على عاتقه تعليم وتدريس وتربية جيل كامل، ومن هنا يأتي أهمية الاهتمام به سواء على مستوى التدريب أو المميزات أو غيرها من المحفزات. ولكن يظل المحفز الذاتي له دور مهم وقوي، ويُنقل عن أحمد أمين أنه قال: المعلم ناسك انقطع لخدمة العلم كما انقطع الناسك لخدمة الدين.

ومن جميل ما قرأت في وصف أنواع المعلمين هو: أن المعلم المتواضع يخبرنا، والجيد يشرح لنا، والمتميز يبرهن لنا، وأما المعلم العظيم فهو الذي يلهمنا.

ولا بد أن نعلم أن صناعة المعلم المتقن والمهني هي مكلفة! ولكن في المقابل المعلم التقليدي أكثر كلفة على المدى الطويل! لأن المخرجات من المبدعين والمؤثرين، الذين سيكون لهم دور مهم وفعال في مختلف المناصب والوظائف والأعمال في المجتمع هي الغاية الأهم والهدف المنشود.

وحين تكون صناعة المعلم من أولوياتنا، سيضع جيل الشباب أقدامهم على أول البساط للدول المتقدمة.

abdullaghannam@