فهد سعدون الخالدي

مع أن كلمة الذوق من الكلمات الكثيرة الاستعمال، التي يبدو مفهومها واضحاً ومتفقاً عليه إلا أن الحاجة إلى توحيد هذا المفهوم تتضح أثناء الممارسة المجتمعية لهذه المفردة، وذلك يقتضي تعريف الذوق العام لأنه يتعلق بأكثر من طرف خلافاً للذوق الشخصي، الذي تحكمه اعتبارات ذاتية لكل فرد الحق في أن يحدد مفهومه لها، أما الذوق العام ولكونه مجموعة من الآداب السلوكية الاجتماعية، التي تعتبر واجبة على الفرد بحكم الزمان والمكان، اللذين ينبغي أن يراعيهما الإنسان في كل المواقف باعتباره لا يعيش منفرداً لا في الزمان ولا في المكان، بل إن له شركاء في كليهما ينبغي أن يراعي أذواقهم أيضاً مع أن هذه السلوكيات، التي تحكم الذوق العام هي في الأساس سلوكيات تعارفت عليها المجتمعات، فإن كثيراً من الأفراد يخالفون ما تعارف عليه لسوء الفهم حيناً أو الادعاء بالحرية الشخصية، التي تنتهي عند حدود حرية الآخرين، ولذلك فإن الدول تلجأ لوضع اللوائح والقوانين، التي تحكم حدود الذوق العام، بل تضع عقوبات لتجاوز هذه السلوكيات وصلت إلى فرض غرامات مالية، وإلزام مرتكبيها بإصلاح ما قد يكون أفسدوه بتصرفاتهم، ومن دواعي المخالفة أحياناً ألا يعي بعض الأفراد أن ما لا يخالف الذوق العام في مجتمع معين قد يخالفه في مجتمع آخر. وفي بلادنا التي تحكم الذوق العام بها أحكام شرعية وموروث اجتماعي وتقاليد متعارف عليها فقد تم إعداد لائحة تنظيمية لقواعد الذوق العام وافق عليها مجلس الوزراء عام 2019م، وتتم متابعة تطبيق أحكامها من قبل وزارتي الداخلية والسياحة على كل مَنْ ينتهك منظومة القيم والأخلاق في الأماكن العامة مثل الأسواق والحدائق وغيرها، ويتسبب بأذى لمَنْ يرتاد هذه الأماكن، وتتعدد العقوبات بتعدد المخالفات، التي يكون بعضها قولياً بالتلفظ بما يؤذي الناس أو إخافتهم، وارتداء اللباس غير اللائق مثل الملابس الداخلية وثياب النوم أو التي تحمل عبارات أو صورا تخدش الحياء أو رموزاً عنصرية، كما أن منها الكتابة على الجدران، وتوزيع الملصقات التجارية دون ترخيص، وإشعال النار في الحدائق العامة، ومخالفة طوابير الانتظار لغير الحالات، التي تحددها الجهات المختصة، واستخدام الأماكن المخصصة لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، وتصوير الأشخاص دون إذن منهم، ورفع أصوات الموسيقى والأغاني داخل الأحياء السكنية، وإلقاء النفايات في غير الأماكن المخصصة لها. على أية حال لا شك أن الاعتبارات التربوية والثقافية والاجتماعية هي أكثر ردعاً ومنعاً للإنسان من ارتكاب هذه المخالفات، ومع أن الملاحظ أن هذه المخالفات قد قلّ ارتكابها منذ صدور اللائحة، فإن البعض ما زالوا لقلة الوعي أو قلة الاهتمام يرتكبون بعضها، ومنها رمي المخلفات في الشارع أثناء سير السيارات، والأصوات العالية، التي تصدر من راديو السيارة، وارتداء السراويل القصيرة من قبل بعض الشباب في الأماكن العامة، وربما يوافقني القراء الأعزاء أن من ذلك أيضاً وقوف البعض أقصى اليمين عند الإشارة مع أن وجهته مستقيمة مما يعرقل حركة سير مَنْ يود الالتفاف إلى اليمين.. فهل يَحُد الذوق العام من هذه الأخطاء؟.. وهل يمكن أن يكون تجنبها سلوكاً ذاتياً ليس بحاجة إلى عقوبات أو غرامات؟.

@Fahad_otaish