عبدالعزيز المحبوب

خالد موظف يعمل في وسط هيكل إحدى الشركات، وقبل أشهر تقدمت شركته للمنافسة على إحدى الجوائز التي تعنى بتميز الأداء، وبالفعل حققت الشركة الهدف ونالت الجائزة. اتصلت بجاري خالد لتهنئته بالفوز، فدار الحوار التالي..

أنا: مبروك فوز شركتكم بالجائزة.

خالد: أي جائزة!

أنا: سؤالك غريب، جائزة (X) التي شاركتم فيها.

خالد: أول مرة أسمع بالموضوع.

أنا: معقول! كيف؟

خالد: يا رجل... أنت مصدق!

ثم انطلق واسترسل في الحديث عن هموم وشجون العمل في تلك المنشأة حتى تمنيت لو أنه سكت. هذه القصة وهذا الحوار يبعثان على التأمل والدراسة، فكما نعلم أن جوائز التميز ذات أهمية بالغة للنهوض بأداء المؤسسات بما تحمل من معايير ذات سقف مرتفع يتطلب مضاعفة الجهود من أجل ملامسته. ولا شك أن أهمية تلك الجوائز تزداد في هذه الحقبة الطموحة التي تعيشها المملكة، والتي ترتكز في تحقيق مستهدفاتها على كفاءة مؤسساتها في القطاعات المختلفة، والممارسات المثلى التي تجعلها علامة فارقة على المستويين الإقليمي والعالمي. والمتتبع للمشهد الحالي، يلحظ أخيرا أن هذه العدوى المحمودة والإيجابية بدأت تدب في التحول التدريجي لتكون جزءا من الثقافة في أروقة المؤسسات وبين منسوبيها، مما يعكس مستوى الوعي لدى القادة، ويعجل من بلوغ المستهدفات الوطنية المستقبلية. ولكن دعونا نعود مجددا لقصة خالد التي ربما لا تكون الأولى من نوعها، فهي تعبر عن حالات قد نجدها لدى شريحة من المنشآت، فتراهم يسعون حثيثا خلف الاعتمادات، وخوض المسابقات تلو المنافسات، وكأن الهدف تحول وتبدل، من تحقيق النتائج والإنجازات، إلى نيل الأوسمة والشهادات، والتواجد في دائرة الأضواء والإشادات. لذا فقد تغيرت لديهم مصفوفة الأهمية والأولوية، وتحول مؤشر بوصلة العمل إلى إعداد الشواهد المطلوبة، وصف الأوراق المحبوكة، وتداخل الليل مع النهار، وامتزج النهار بالليل، في سباق مضنٍ مع الزمن، فلا راحة في النوم ولا هناء، وإجهاد بدني ونفسي وكثرة عناء. وما يزيد الطين بلة على ضفاف آخر، هو تعطل المهام والأعمال، وتراكم المعاملات والأشغال، والذي خلق تبعا له أعناق زجاجات، في عدة أقسام وإدارات، لا تخرج أفواهها من الأعمال المنجزة إلا قليل القطرات. أما على أرض الميدان، فلا نجد خالد ورفاقه طرفا في هذا العمل، ولم يلمسوا حتى أثره، وهذا يعود بنا إلى المربع الأول، إلى صدق النوايا وسلامة الهدف، فالأصل أن يكون التميز جزءا من الحمض النووي للمؤسسة وأفرادها، وذلك يعني العمل المتوازن في التغيير الشمولي والتدريجي، وتوظيف أدوات العمار الشامل كالبحث والتطوير والإبداع والابتكار والتحول الرقمي والتعلم وغيرها من الأدوات التي يتطلب خروج شطئها وجني ثمارها النضرة مدة من الزمن، وليس كما فعلت شركة خالد التي حولت مفهوم التميز بما يحمل من أهداف سامية ومبادئ، إلى رحلة شقاء «وحالة طوارئ». ومن المفارقات أن هذا النوع من المنشآت غالبا ما تصاب بحمى شديدة قد تعيدها إلى سابق أدائها التقليدي، وذلك عندما يبتعد اسمها عن قائمة العظام، وتخرج من منصة التتويج والسلام، وهذا قطعا لأن الجوائز لم تكن بالنسبة لها وسيلة، بل كانت «مرام»، ولم تكن أداة، بل كانت «غرام».

أقول ختاما، إذا لم يشعر الموظفون والعملاء حقا بالتميز الذي حصلت عليه المنشأة، ولم يكونوا جزءا من صناعته، ولم تصل إليهم رفاهيته، فعلى القادة إعادة النظر في الهدف والمنهجية، وتأثير ذلك على الثقة والدافعية، وليعلموا يقينا أن التميز المؤسسي ليس عملا لأيام، بل هو سعي دؤوب نحو مجد مستدام.

@azizmahb