م. خالد محمد الشهري

منذ بضعة أشهر تم اعتماد قانون حق الصيانة للأجهزة المنزلية في بريطانيا، حيث يلزم المصنعين بضمان توفير قطع الغيار للمستهلكين والشركات الخارجية لمدة عشر سنوات على الأقل، وذلك ضمن توجه لإطالة العمر الافتراضي للأجهزة المنزلية الكبيرة كالثلاجات والمكيفات وغسالات الملابس وما شابهها لأن نصف الأجهزة المنزلية في بريطانيا يتم إلقاؤها في المرادم لصعوبة صيانتها بسبب عدم توافر قطع الغيار وارتفاع أجور الصيانة.

هذا القانون مثال لتوجه عالمي لإطالة العمر الافتراضي للأجهزة الإلكترونية، الذي تناقص بشكل ملحوظ خلال العقدين الماضيين بسبب تسارع تطور التقنيات من جهة وبشكل متعمد من المصنعين لزيادة الأرباح من خلال زيادة الاستهلاك بإتاحة الموديلات الأحدث ذات التعديلات الطفيفة تنفيذا لإستراتيجية التقادم المخطط «Planned obsolescence»، كما ذكر أحد موظفي أمازون السابقين، الذي كان يعمل في أحد مخازنها الضخمة أنه يتم رمي حوالي 125 ألف جهاز أسبوعيا إلى مكبات النفايات بسبب تقادم موديلاتها، وهذا ملحوظ في كمية النفايات الإلكترونية، التي أصبحت تشكل 20 % من إجمالي نفايات العالم ما بين عامي 2014 و2019 بحوالي 54 مليون طن.

إدارة النفايات الإلكترونية هي مشكلة مستعصية بسبب طبيعة تقنيات التصنيع، التي تعتمد على إنتاج مواد معقدة لتحقيق أداء عالٍ، ولكن تعقيد التصنيع يصعب عملية إعادة تدوير وتصنيع النفايات الإلكترونية وإن كانت هناك بعض الأمثلة لإعادة تدوير وتجديد الأجهزة الإلكترونية كشاشات التلفاز والجوالات، فذلك لوجود عائد مادي مجزٍ، وهو الأمر الذي لا تمتلكه الأجهزة المنزلية.

ولأن الموارد الطبيعية محدودة وصار من الصعب الحصول على بعض المعادن المهمة في عمليات تصنيع فائقة التقنية كما هو الحال مع نقص الإمدادات في أشباه الموصلات عالميَا أضحى لزاما على الشركات تبني نماذج الاقتصاد الدائري، التي تهدف إلى إبقاء الأجهزة والبضائع الإلكترونية داخل الدورة الاقتصادية بنفس الكفاءة والجودة وقانون حق الصيانة هو أحد الأمثلة لهذا التوجه.

الشركة السعودية الاستثمارية لإعادة التدوير (سرك) المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة تقود الحراك الوطني نحو الاقتصاد الدائري، وتعمل على رفع نسبة استبعاد النفايات عن المرادم إلى 94 % بحلول عام 2035، وذلك بعدة مبادرات لتمكين رواد الأعمار لتوفير حلول تقنية حديثة للتعامل مع أنواع النفايات المختلفة.

ويمثل الاقتصاد التشاركي (Sharing Economy) أحد الإستراتيجيات لتفعيل الاقتصاد الدائري، بحيث توفر الشركة السلعة كخدمة تحت عقد طويل الأمد بدلا من انتقال ملكيتها مباشرة للمشتري، وذلك مقابل مادي لا يرهق المشتري ويضمن الربحية للشركة على المدى الطويل، قامت إحدى الشركات البلجيكية بتبني نموذج الاقتصاد التشاركي، وأصبحت توفر تأجير أثاث المكاتب للشركات المتوسطة والصغيرة بعقود متوسطة وطويلة الأمد، أنوه هنا بوجود بعض المخاطرة في اختلاف الأفراد في الحرص على استخدام ممتلكات الغير، ولكن هذا شبيه بالمخاطرة التأمينية، ولكن لعلها فكرة تستحق النظر ودراسة إمكانية تبينها في مجال الأجهزة المنزلية الكبيرة في سوقنا المحلي.

بقلم: م. خالد محمد الشهري، خبير استدامة بيئية وباحث في الاقتصاد الدائري

k.m.alshehri@gmail.com