د. شلاش الضبعان يكتب:

- اكتب!

- ومن يقرأ؟!

- قدم!

- ومن يستمع؟! وأزيدك من الشعر بيتا أعاني من حرب شعواء من المقربين حولي.

لهؤلاء المبدعين اليائسين المراهنين على أهل زمانهم ورضى دائرتهم الصغيرة من أصدقاء وأقارب، أقدم قصة أوردها ابن خلدون في مقدمته تقول: ورد بالمغرب لعهد السلطان أبي عنان من ملوك بني مرين رجل من مشيخة طنجة يعرف بابن بطوطة كان رحل منذ عشرين سنة قبلها إلى المشرق وتقلب في بلاد العراق واليمن والهند، ودخل مدينة دهلي حاضرة ملك الهند وهو السلطان محمد شاه واتصل بملكها لذلك العهد وهو فيروزجوه وكان له منه مكان واستعمله في خطة القضاء بمذهب المالكية في عمله ثم انقلب إلى المغرب واتصل بالسلطان أبي عنان، وكان يحدث عن شأن رحلته وما رأى من العجائب بممالك الأرض وأكثر ما كان يحدث عن دولة صاحب الهند ويأتي من أحواله بما يستغربه السامعون، فتناحى الناس بتكذيبه ولقيت أيامئذ وزير السلطان ففاوضته في هذا الشأن وأريته إنكار أخبار ذلك الرجل لما استفاض في الناس من تكذيبه، فقال لي الوزير: إياك أن تستنكر مثل هذا من أحوال الدول بما أنك لم تره فتكون كابن الوزير الناشئ في السجن وذلك أن وزيرا اعتقله سلطانه ومكث في السجن سنين ربى فيها ابنه في ذلك المجلس، فلما أدرك الصغير وعقل سأل عن اللحمان التي كان يتغذى بها، فقال له أبوه: هذا لحم الغنم، فقال: وما الغنم؟ فيصفها له أبوه بشياتها ونعوتها، فيقول: يا أبت تراها مثل الفأر فينكر عليه ويقول: أين الغنم من الفأر، وكذا في لحم الإبل والبقر إذ لم يعاين في محبسه من الحيوانات إلا الفأر فيحسبها كلها أبناء جنس الفأر.

ابن بطوطة كان يكذب في زمانه وبعد ذلك أصبح حديث العالم وليس مجتمعه الصغير فقط، وأصبحت رحلته تترجم وتتداول على مستوى دولي.

ولذلك على المبدع ألا يتوقف عند ردة فعل المقربين منه أو حتى على أهل زمانه إن كان قد أنتج ما يشرف ويستحق البقاء، بل عليه أن يراهن على زمانه وما بعد زمانه، وما يكتب يبقى وأيضا ما يصور، بل هو من العلم الذي ينتفع به ويستمر له أجره بعد رحيله.

أما إن كان ما أنتجه هراء فسيذهب كالزبد جفاء، ولن يكسب منه إلا ما يضره.

@shlash2020