عدم الرغبة في تخفيف عبء الديون مصدر إحراج على المستوى الدولي
خلال الفترة الأولى من تفشي وباء كورونا، بدا أن الصين تدرك قيمة المثل القائل «الصديق وقت الضيق»، فقد انكفأ الغرب على نفسه، في حين سارعت بكين بإرسال معدات حماية، وأجهزة لإجراء اختبارات لكشف الفيروس، وتعهدت بتقديم اللقاحات، ودعم اقتصادي، وقال الرئيس الصيني تشي جين بينغ، حينئذ: إن توفير اللقاحات للدول الأفريقية له أولوية.
وتقول المحللة الاقتصادية الأمريكية كلارا فيريرا ماركيز، في تقرير نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء: إنه رغم أن أفريقيا تلقت فقط 8 % من إجمالي شحنات الجرعات التي خرجت من الصين للعالم - بحسب أرقام جمعتها مؤسسة «بريدج كونسالتينج»- لم يتم توزيع هذه الجرعات بالتساوي بين دول القارة، ويمثل هذا الإجمالي ثلث ما قدمته بكين لأمريكا اللاتينية، وبحسب البيانات، لا توجد دولة أفريقية ضمن أهم عشر وجهات اشترت اللقاحات الصينية، أو تلقتها كتبرع.
ملتقى التعاون
ووصل معدل التطعيم ضد الوباء في عموم القارة الإفريقية إلى حوالي 5 %، كما يتم اكتشاف حالة واحدة فقط من بين كل سبع إصابات، وهو ما يمثل خطرا صحيا للعالم بأسره.
وتعتقد ماركيز أن «ملتقى التعاون بين الصين وأفريقيا» المقرر عقده في السنغال الشهر المقبل، والذي يعقد كل ثلاث سنوات، يعطي بكين الفرصة لتعويض ما فات.
وتقدر منظمة الصحة العالمية أن هناك حاجة لـ 400 مليون جرعة - علاوة على ما تم التعهد بتقديمه، أو ما جرى تسليمه بالفعل - من أجل تحقيق هدف تطعيم 40 % من سكان كل دولة أفريقية بنهاية العام الجاري.
وترى المحللة الأمريكية أن الصين تستطيع زيادة الجرعات، والمبيعات والمعونات، وضمان العلاجات من إنتاج الشركات الصينية، والأهم من ذلك، تستطيع بكين توفير الدعم على الأرض على المدى الطويل، من خلال تعزيز قدرات إنتاج اللقاحات، والبنية التحتية للمراقبة الصحية، وأيضا تخفيف العبء المالي على القارة في حقبة ما بعد كورونا.
وليس هناك شك في أن مثل هذه الخطط والتعهدات سوف تملأ الأجواء في العاصمة السنغالية داكار، رغم أن الشهور الماضية أظهرت غياب ما يضمن تحقيقها.
ولكن ذلك لا يعني أن أفريقيا صارت لا تعني الكثير بالنسبة للصين، فالقارة مورد مهم للمواد الخام، وسوق للخدمات الإنشائية، وتضم 1.4 مليار مستهلك، كما أنها تعد بصورة رئيسية مصدرا للدعم داخل نطاق الأمم المتحدة، حيث تشكل دول القارة حوالي ربع أعضاء المنظمة، وهو ما يمكن أن يؤيد نفوذ بكين في مواجهة خصومها من القوى العظمى الأخرى.
بدائل أفريقيا
ولا تملك أفريقيا بدائل أكثر فعالية للقاحات الصينية المضادة لكورونا، ولكن تتبع مسار مبيعات الصين والمعونات التي تقدمها من اللقاحات، يكشف أن اللوم يقع على المفاضلة بين الأولويات الجيوسياسية، وعلى الفرص، إلى جانب غياب المنافسة من قبل الغرب أمام بكين في أفريقيا.
ويمثل معدل التطعيم البائس ضد كورونا في أفريقيا، وعدم الرغبة في تخفيف عبء الديون عن القارة، مصدر إحراج على المستوى الدولي، وليس للصين وحدها، ويتحمل الغرب القسم الأكبر من المسؤولية، حيث قام بتخزين جرعات اللقاحات، وتخلى عن تولي دفة القيادة في هذا الصدد، ولكن الصين أيضا توجهت إلى أماكن أخرى لبيع اللقاحات، أو التبرع بها، وهو ما يبدو أكثر إثارة للدهشة، في ظل مزاعمها بأنها تدخلت في الوقت الذي أحجمت فيه أمريكا وأوروبا عن ذلك.
وربما لم تقدر الصين جيدا مدى تعقد عملية التعامل مع 54 دولة في نفس الوقت، وهي دول يعاني الكثير منها من نقص التمويل، وتقودها طلبات متناقضة، وقد فضلت بكين بشكل عام المفاوضات الثنائية، رغم موافقتها على تقديم الدعم لمبادرة «كوفاكس» متعددة الأطراف.
وبحسب المحللة الأمريكية، عكست دبلوماسية اللقاحات أولويات الدبلوماسية الفعلية، والعلاقات التجارية، وأحيانا بعض الفرص العَرَضية، أما دول الجوار في آسيا، فهي تشكل أولوية دائمة للصين، في حين يشكل جنوب شرق آسيا ساحة معارك لبكين.
وتطرقت ماركيز إلى أمريكا اللاتينية التي شكلت فرصة أخرى أمام الصين في ظل انشغال الولايات المتحدة عنها، حيث حققت بكين انتصارا سياسيا بتقديم اللقاحات لهندوراس من أجل تغيير موقفها بشأن تايوان، كما صارت الشريك الأكبر للاقتصادات الرئيسية في القارة، مثل البرازيل، وتشيلي وبيرو.
سياسة الصين
وبحسب هذه الأولويات، لا تعد الدول الأفريقية جميعها خاسرة فيما يتعلق بالدعم الصيني في مواجهة الوباء، فدول شمال أفريقيا، وهي جزء من سياسة الصين في الشرق الأوسط، كانت أحسن حظا، حيث تمتلك المغرب والجزائر، ومصر الآن قدرات لإنتاج اللقاحات، أو ربما تحظى بها قريبا، كما استفاد حلفاء الصين منذ أمد بعيد، مثل زيمبابوي، من سخاء بكين.
وبالطبع، لدى الصين أولويات على المستوى الداخلي أيضا، حيث استنفدت حملة التطعيم المحلية القسط الأكبر من قدراتها في بداية تفشي الوباء، بالإضافة إلى الوضع السياسي والاقتصادي الذي لا يحبذ معه الانخراط بشكل سخي مفرط مع الخارج.
ويظل السؤال الأهم هو: هل يمكن لهذه الديناميكية أن تتغير خلال مرحلة الدعم التالية بعد حقبة كوفيد- 19، ليتحول التركيز إلى دعم البنية التحتية في مجال الصحة، وتوفير اللقاحات على المدى الطويل، وقد كافحت الصين، التي باعت لقاحات بشكل كبير للغاية أكثر مما قدمته من منح، بسبب انخفاض نسبة فعالية لقاحاتها مما جعلها أقل جاذبية.
وأيضا فإن صراع الصين في مجال نقل التكنولوجيا - حيث تباطأت كثيرا في نشر النتائج السريرية الخاصة بتجارب اللقاحات - لا يجعل منها شريكا مثاليا في عمليات إنتاج اللقاحات.
وفي ختام تقريرها، تشير المحللة الأمريكية إلى أمر تأخر كثيرا قد يشغل العقول في بكين: ألا وهو أن يقدم الغرب دعما ضخما لقارة أهملها كثيرا، وسيشكل ذلك مكسبا لجميع الأطراف المعنية.
وتقول المحللة الاقتصادية الأمريكية كلارا فيريرا ماركيز، في تقرير نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء: إنه رغم أن أفريقيا تلقت فقط 8 % من إجمالي شحنات الجرعات التي خرجت من الصين للعالم - بحسب أرقام جمعتها مؤسسة «بريدج كونسالتينج»- لم يتم توزيع هذه الجرعات بالتساوي بين دول القارة، ويمثل هذا الإجمالي ثلث ما قدمته بكين لأمريكا اللاتينية، وبحسب البيانات، لا توجد دولة أفريقية ضمن أهم عشر وجهات اشترت اللقاحات الصينية، أو تلقتها كتبرع.
ملتقى التعاون
ووصل معدل التطعيم ضد الوباء في عموم القارة الإفريقية إلى حوالي 5 %، كما يتم اكتشاف حالة واحدة فقط من بين كل سبع إصابات، وهو ما يمثل خطرا صحيا للعالم بأسره.
وتعتقد ماركيز أن «ملتقى التعاون بين الصين وأفريقيا» المقرر عقده في السنغال الشهر المقبل، والذي يعقد كل ثلاث سنوات، يعطي بكين الفرصة لتعويض ما فات.
وتقدر منظمة الصحة العالمية أن هناك حاجة لـ 400 مليون جرعة - علاوة على ما تم التعهد بتقديمه، أو ما جرى تسليمه بالفعل - من أجل تحقيق هدف تطعيم 40 % من سكان كل دولة أفريقية بنهاية العام الجاري.
وترى المحللة الأمريكية أن الصين تستطيع زيادة الجرعات، والمبيعات والمعونات، وضمان العلاجات من إنتاج الشركات الصينية، والأهم من ذلك، تستطيع بكين توفير الدعم على الأرض على المدى الطويل، من خلال تعزيز قدرات إنتاج اللقاحات، والبنية التحتية للمراقبة الصحية، وأيضا تخفيف العبء المالي على القارة في حقبة ما بعد كورونا.
وليس هناك شك في أن مثل هذه الخطط والتعهدات سوف تملأ الأجواء في العاصمة السنغالية داكار، رغم أن الشهور الماضية أظهرت غياب ما يضمن تحقيقها.
ولكن ذلك لا يعني أن أفريقيا صارت لا تعني الكثير بالنسبة للصين، فالقارة مورد مهم للمواد الخام، وسوق للخدمات الإنشائية، وتضم 1.4 مليار مستهلك، كما أنها تعد بصورة رئيسية مصدرا للدعم داخل نطاق الأمم المتحدة، حيث تشكل دول القارة حوالي ربع أعضاء المنظمة، وهو ما يمكن أن يؤيد نفوذ بكين في مواجهة خصومها من القوى العظمى الأخرى.
بدائل أفريقيا
ولا تملك أفريقيا بدائل أكثر فعالية للقاحات الصينية المضادة لكورونا، ولكن تتبع مسار مبيعات الصين والمعونات التي تقدمها من اللقاحات، يكشف أن اللوم يقع على المفاضلة بين الأولويات الجيوسياسية، وعلى الفرص، إلى جانب غياب المنافسة من قبل الغرب أمام بكين في أفريقيا.
ويمثل معدل التطعيم البائس ضد كورونا في أفريقيا، وعدم الرغبة في تخفيف عبء الديون عن القارة، مصدر إحراج على المستوى الدولي، وليس للصين وحدها، ويتحمل الغرب القسم الأكبر من المسؤولية، حيث قام بتخزين جرعات اللقاحات، وتخلى عن تولي دفة القيادة في هذا الصدد، ولكن الصين أيضا توجهت إلى أماكن أخرى لبيع اللقاحات، أو التبرع بها، وهو ما يبدو أكثر إثارة للدهشة، في ظل مزاعمها بأنها تدخلت في الوقت الذي أحجمت فيه أمريكا وأوروبا عن ذلك.
وربما لم تقدر الصين جيدا مدى تعقد عملية التعامل مع 54 دولة في نفس الوقت، وهي دول يعاني الكثير منها من نقص التمويل، وتقودها طلبات متناقضة، وقد فضلت بكين بشكل عام المفاوضات الثنائية، رغم موافقتها على تقديم الدعم لمبادرة «كوفاكس» متعددة الأطراف.
وبحسب المحللة الأمريكية، عكست دبلوماسية اللقاحات أولويات الدبلوماسية الفعلية، والعلاقات التجارية، وأحيانا بعض الفرص العَرَضية، أما دول الجوار في آسيا، فهي تشكل أولوية دائمة للصين، في حين يشكل جنوب شرق آسيا ساحة معارك لبكين.
وتطرقت ماركيز إلى أمريكا اللاتينية التي شكلت فرصة أخرى أمام الصين في ظل انشغال الولايات المتحدة عنها، حيث حققت بكين انتصارا سياسيا بتقديم اللقاحات لهندوراس من أجل تغيير موقفها بشأن تايوان، كما صارت الشريك الأكبر للاقتصادات الرئيسية في القارة، مثل البرازيل، وتشيلي وبيرو.
سياسة الصين
وبحسب هذه الأولويات، لا تعد الدول الأفريقية جميعها خاسرة فيما يتعلق بالدعم الصيني في مواجهة الوباء، فدول شمال أفريقيا، وهي جزء من سياسة الصين في الشرق الأوسط، كانت أحسن حظا، حيث تمتلك المغرب والجزائر، ومصر الآن قدرات لإنتاج اللقاحات، أو ربما تحظى بها قريبا، كما استفاد حلفاء الصين منذ أمد بعيد، مثل زيمبابوي، من سخاء بكين.
وبالطبع، لدى الصين أولويات على المستوى الداخلي أيضا، حيث استنفدت حملة التطعيم المحلية القسط الأكبر من قدراتها في بداية تفشي الوباء، بالإضافة إلى الوضع السياسي والاقتصادي الذي لا يحبذ معه الانخراط بشكل سخي مفرط مع الخارج.
ويظل السؤال الأهم هو: هل يمكن لهذه الديناميكية أن تتغير خلال مرحلة الدعم التالية بعد حقبة كوفيد- 19، ليتحول التركيز إلى دعم البنية التحتية في مجال الصحة، وتوفير اللقاحات على المدى الطويل، وقد كافحت الصين، التي باعت لقاحات بشكل كبير للغاية أكثر مما قدمته من منح، بسبب انخفاض نسبة فعالية لقاحاتها مما جعلها أقل جاذبية.
وأيضا فإن صراع الصين في مجال نقل التكنولوجيا - حيث تباطأت كثيرا في نشر النتائج السريرية الخاصة بتجارب اللقاحات - لا يجعل منها شريكا مثاليا في عمليات إنتاج اللقاحات.
وفي ختام تقريرها، تشير المحللة الأمريكية إلى أمر تأخر كثيرا قد يشغل العقول في بكين: ألا وهو أن يقدم الغرب دعما ضخما لقارة أهملها كثيرا، وسيشكل ذلك مكسبا لجميع الأطراف المعنية.