يقوم شخص -في الغالب لا يكون سوى شخص رياضي- على تسلق الجبال الخطرة، بعد تدريب شاق يمارسه بإرادة وتصميم.
آخر يحاول أن يقطع المحيط الهادي بطائرة شراعية بدائية لا تحميه من العواصف والرعود، أو بمركب صغير معرضا نفسه لأهوال البحر ومخاطره. مجموعة أخرى من المستكشفين يغوصون في أعماق البحار، أو من الجوالين الذين يبحثون عن الأمكنة، التي لم تصل إليها قدم إنسان: من كهوف، وغابات، وآثار مطمورة.
وهناك أيضا فئة من الناس يجازفون بحياتهم بطرق مبتكرة: المشي على حبل مشدود بين برجين مرتفعين، أو التصوير سلفي من أماكن مرتفعة وخطيرة، حتى امتلأت موسوعة جينس بمثل هؤلاء.
ولا يمكن أن ننسى ضمن هذا الإطار قفزة فيليكس النمساوي، الذي جعل العالم متسمرا أمام الشاشات، وهم ينتظرونه أن يقفز من الطبقات العليا للغلاف الجوي، في مخاطرة مميتة لم يسبقه إليه أحد.
ما أصدق كلمة يمكن أن نطلقها على مثل هذه الحالات، التي ذكرناها آنفا؟
وهل نجد لها نظيرا مماثلا في أزمان سابقة مثلما هي عليه الآن في زمننا المعاصر، رغم الاختلاف بين الزمنين؟
قد تكون كلمة مغامرة هي الأجدى في مثل هذه الحالات حين تتصل بالشغف وقوة الإرادة عند الإنسان، يدفعه إلى ذلك إثبات الذات، وأن يقول بعد نجاحه، ووصوله لمبتغاه، للعالم: هأنذا موجود، انظروا إليّ بتقدير واحترام.
لكن لا معنى للمغامرة إذا تجاوزت هذه الدوافع إلى دوافع أخرى كالمنفعة على سبيل المثال تلك المرتبطة بالمصالح السياسية كالمشاريع المتصلة بالتسلح العسكري أو الاقتصادية كالمشاريع المتصلة بالاختراعات التقنية.
قد يبدو ظاهريا أن مَنْ يكمن خلف كل تلك المشاريع هم أشخاص كان لهم الطموح ذاته للمغامر. لكن الفرق هو أن الطموح الفردي لا تكون دوافعه قائمة على المنفعة الخالصة؛ حتى إن جلبت له شيئا منها، بحيث تكون عرضا وليست غاية.
يضاف إلى ذلك أن المغامرة مرتبطة بالمخاطر، التي تهدد الجسد بالموت أو بالإصابات الخطرة.
بينما الذين غامروا بعقولهم الفذة، وذهبوا في طريق الاكتشافات والاختراعات والابتكارات التقنية، الكثير منهم ارتبط بمشاريع تتجاوز معنى المغامرة الذاتية أو الفردية.
صحيح أنه يأتي في سياق دوافع تتعلق بالشغف والإرادة وإثبات الذات.
لكن بالنهاية المغامرة الحقيقة هي غير مأمونة العواقب، مثلها مثل شخص قد عزم للدخول إلى هذا المنزل الكبير الذي تلتهمه النيران، لا لشيء سوى لأنه حلم ليلة البارحة أن هناك رجلا في داخله يريد إنقاذه.
بالطبع لا يمكن إنكار القيمة الحضارية، التي قدمها مثل هؤلاء للإنسانية بعقولهم النيرة. فقد تطورت الإنسانية على مر تاريخها بفضل هؤلاء من جهة، ومن جهة أخرى، وبالتوازي معها، مع التضحيات التي قدمها الرجال المغامرون، الذين قدموا حياتهم لأجل شغفهم الذاتي لا غير. وهناك العديد من الأمثلة ممتلئة بها كتب التاريخ لا يسع المجال لذكرها.
لكن السؤال: أين نضع المغامرين، الذين صدرنا أمثلة لهم في بداية المقال مقارنة بما ذكرناه من النوعين الآخرين؟
أظن أن مثل هذا النوع من المغامرة، الذي تمتاز به ثقافة الحداثة وما بعدها يشبه الشعر في عبثيته وبراءته ونداءاته الداخلية العميقة في النفس الإنسانية، فهو لا منفعة مسبقة تقوده، مثلما الشعر لا معنى له يتشكل من خارجه بالمطلق.
وعليه هل بالإمكان القول: كل مغامرة إنسانية كهذي هي في العمق منها قول شعري، لا ينفك فيها الجسد يكتب ذاته على دفتر العالم.
@MohammedAlHerz
آخر يحاول أن يقطع المحيط الهادي بطائرة شراعية بدائية لا تحميه من العواصف والرعود، أو بمركب صغير معرضا نفسه لأهوال البحر ومخاطره. مجموعة أخرى من المستكشفين يغوصون في أعماق البحار، أو من الجوالين الذين يبحثون عن الأمكنة، التي لم تصل إليها قدم إنسان: من كهوف، وغابات، وآثار مطمورة.
وهناك أيضا فئة من الناس يجازفون بحياتهم بطرق مبتكرة: المشي على حبل مشدود بين برجين مرتفعين، أو التصوير سلفي من أماكن مرتفعة وخطيرة، حتى امتلأت موسوعة جينس بمثل هؤلاء.
ولا يمكن أن ننسى ضمن هذا الإطار قفزة فيليكس النمساوي، الذي جعل العالم متسمرا أمام الشاشات، وهم ينتظرونه أن يقفز من الطبقات العليا للغلاف الجوي، في مخاطرة مميتة لم يسبقه إليه أحد.
ما أصدق كلمة يمكن أن نطلقها على مثل هذه الحالات، التي ذكرناها آنفا؟
وهل نجد لها نظيرا مماثلا في أزمان سابقة مثلما هي عليه الآن في زمننا المعاصر، رغم الاختلاف بين الزمنين؟
قد تكون كلمة مغامرة هي الأجدى في مثل هذه الحالات حين تتصل بالشغف وقوة الإرادة عند الإنسان، يدفعه إلى ذلك إثبات الذات، وأن يقول بعد نجاحه، ووصوله لمبتغاه، للعالم: هأنذا موجود، انظروا إليّ بتقدير واحترام.
لكن لا معنى للمغامرة إذا تجاوزت هذه الدوافع إلى دوافع أخرى كالمنفعة على سبيل المثال تلك المرتبطة بالمصالح السياسية كالمشاريع المتصلة بالتسلح العسكري أو الاقتصادية كالمشاريع المتصلة بالاختراعات التقنية.
قد يبدو ظاهريا أن مَنْ يكمن خلف كل تلك المشاريع هم أشخاص كان لهم الطموح ذاته للمغامر. لكن الفرق هو أن الطموح الفردي لا تكون دوافعه قائمة على المنفعة الخالصة؛ حتى إن جلبت له شيئا منها، بحيث تكون عرضا وليست غاية.
يضاف إلى ذلك أن المغامرة مرتبطة بالمخاطر، التي تهدد الجسد بالموت أو بالإصابات الخطرة.
بينما الذين غامروا بعقولهم الفذة، وذهبوا في طريق الاكتشافات والاختراعات والابتكارات التقنية، الكثير منهم ارتبط بمشاريع تتجاوز معنى المغامرة الذاتية أو الفردية.
صحيح أنه يأتي في سياق دوافع تتعلق بالشغف والإرادة وإثبات الذات.
لكن بالنهاية المغامرة الحقيقة هي غير مأمونة العواقب، مثلها مثل شخص قد عزم للدخول إلى هذا المنزل الكبير الذي تلتهمه النيران، لا لشيء سوى لأنه حلم ليلة البارحة أن هناك رجلا في داخله يريد إنقاذه.
بالطبع لا يمكن إنكار القيمة الحضارية، التي قدمها مثل هؤلاء للإنسانية بعقولهم النيرة. فقد تطورت الإنسانية على مر تاريخها بفضل هؤلاء من جهة، ومن جهة أخرى، وبالتوازي معها، مع التضحيات التي قدمها الرجال المغامرون، الذين قدموا حياتهم لأجل شغفهم الذاتي لا غير. وهناك العديد من الأمثلة ممتلئة بها كتب التاريخ لا يسع المجال لذكرها.
لكن السؤال: أين نضع المغامرين، الذين صدرنا أمثلة لهم في بداية المقال مقارنة بما ذكرناه من النوعين الآخرين؟
أظن أن مثل هذا النوع من المغامرة، الذي تمتاز به ثقافة الحداثة وما بعدها يشبه الشعر في عبثيته وبراءته ونداءاته الداخلية العميقة في النفس الإنسانية، فهو لا منفعة مسبقة تقوده، مثلما الشعر لا معنى له يتشكل من خارجه بالمطلق.
وعليه هل بالإمكان القول: كل مغامرة إنسانية كهذي هي في العمق منها قول شعري، لا ينفك فيها الجسد يكتب ذاته على دفتر العالم.
@MohammedAlHerz