مصطفى المهدي

لقد جسدت الخطوة الموفقة لوزارة التعليم المتمثلة في إلغاء شرط مرور خمس سنوات على التخرج للدخول إلى الجامعات - مرحلة جديدة وفرصة كبيرة لمواصلة رحلة التعليم الجامعي وما بعده، وسيكون لتلك الخطوة أثرٌ كبيرٌ في دعم مبادرات التعلم مدى الحياة على مستوى الأفراد والمجتمع وقطاعات الأعمال. وكما يعلم الكثير فإن تعزيز الوعي بأهمية التعلم مدى الحياة ليس هدفا بذاته ولكنه وسيلة تسهم في التحول إلى المجتمع المعرفي والذي يصبح السواد الأعظم من أفراد المجتمع في كل المواقع منخرطين - بدوافع ذاتية - ومبادِرة إلى صنع المعرفة وتصديرها ونقلها وتمكين وتسهيل تحويلها لصنع القيمة المضافة على كل المستويات. وعندما نترك مقاعد التعليم سيكون مهما عدم ترك مقاعد التَعَلُم لأن سوق العمل يبحث عن الأكفأ والأكثر استعدادا لمواصلة رحلة التعلم ضمن فريق متعدد ومتنوع ومواجهة التحديات والمخاطر وتحويلها إلى فرص لتنمو مع استدامتها.

إن تعزيز مبادرات التعلم مدى الحياة في المنظمات والمؤسسات والشركات وصنع التكامل بين مهام العمل والتعلم يمثل الرغبة والالتزام في التجدد والحفاظ على رأس المال البشري والذي يمثل ثروتها الحقيقية، والاستثمار في مواردها وخبراتها وإدارة معارفها الصريحة والضمنية. وإن نجاحها في ذلك سيجعلها في وضع تنافسي متطور ويسهم في تعظيم الاستفادة وحماية استثماراتها وسلامة وسلاسة عملياتها لتكون في موقع أفضل للتعامل مع حالات الإخفاق التي لا يمكن التنبؤ بها مستفيدة من خبراتها وبياناتها الضخمة ومواردها الخاملة أو المنسية. ويبقى نجاح تلك المبادرات وأثرها رهنا بصنع ثقافة حقيقة بكل مواصفاتها ومؤشراتها كمنظمة متعلمة تستثمر في التعلم النافع والمحقق للقيمة المضافة للمنظمة والمنتسبين لها، ولسوق العمل وكل أصحاب العلاقة. وسيكون لها القدرة على الاستفادة من المواهب والمهارات التي يمتلكها الخريجون، وستصنع تلك الثقافة تحولا إيجابيا في إستراتيجيات الكثير من المنظمات وخصوصا فيما يتعلق بمتطلبات التوظيف وجذب الكفايات والمواهب ويجعلها تركز على المهارات المكتسبة وقدرات التعلم في المرشحين بدلا من الشروط التعجيزية المتمثلة في «الخبرة المُسْبقة». إن تبني التعلم مدى الحياة سيجعل فرصة النمو والتقدم أمام العامل الكفؤ أكبر سواءً في داخل المنظمة التي يعمل بها أو في سوق العمل بشكل عام، ولن يشكل الانتقال أو الاستقالة أي تهديد للمنظمة لأن البديل الكفؤ في وضع الاستعداد في جميع الأحوال.

وكما بدأ الحديث عن خطوة وزارة التعليم والتي تمثل إحدى ركائز برنامج تنمية القدرات البشرية، ستجد المنظمات والمؤسسات وسوق العمل بصفة عامة الفرصة للمساهمة في البرنامج وتعزيز أثره المستدام وتكوين شراكة مؤسسية للتعلم مدى الحياة. إن استدامة التعلم في المجتمع بقطاعاته كافة يجعله أكثر حيوية وتنافسية وأكثر جدية وتآزرا في رعاية مصالحه ورأس ماله البشري الوطني وكفايته ومهاراته المعرفية الحرجة والضرورية لمواصلة تقدمه وتحقيق رؤيته. إضافة إلى رفع قدرة المجتمع على التعلم من الدروس المستفادة من الأزمات - وليست جائحة كورونا منا ببعيد. ولعل وجود جهاز وطني لتنسيق مبادرات التعلم مدى الحياة سيكون مسرعا لتكامل الجهود على مستوى مدن المملكة والاستفادة من تجربة الجبيل الصناعية - مدينة التعلم الأولى المسجلة في معهد اليونسكو - وتشجيع انخراط القطاع العام والخاص والثالث في مبادرات مدن التعلم من أجل تعزيز برنامج تنمية القدرات البشرية وطموحاته المرتبطة برؤية المملكة 2030.

في الختام، إن التحدي لكل منا كأفراد وعلى كل المستويات هو ضرورة تعزيز مفهوم التعلم مدى الحياة والتركيز على التعلم النافع لكل العاملين وأصحاب العمل لنبقى جميعا في أعلى درجات الأداء والتجدد.

@MustafaAlmahdi