استثارني ذلك النقاش المحتدم في إحدى مجموعات التواصل الاجتماعي بوصف أحد الأشخاص بأنه بائع دواشق، وتعني في اللهجة الأحسائية فراش الجلوس أو النوم عليه، واحتدم الاختلاف بين بعض أعضاء المجموعة والذي يراها إهانة صريحة وتحمل في طياتها الوقاحة وقلة الذوق في التوصيف لمضمون قديم تجاوزته اللغة وطورته إلى الأفضل بما يتناسب مع تحديث وصف الوظيفة، وبين المعاكس له والذي لا يرى في اللفظة أي خدش للمشاعر أو الإساءة لها وأنها لفظة تم تداولها سابقا للتعبير عن فراش النوم والراحة، ولا مزايدة في توظيفها أو تلميعها فالمضمون واحد بين دوشق الماضي وأصالته والمرتبة الطبية وحداثة الحاضر ومهما كانت التسمية فكلاهما للنوم كاستخدام.
وتعتبر اللغة محورا أساسيا في حياة الإنسان، فبها يفهم الكون ومن حوله ويتفاهم مع غيره من أفراد المجتمع في كل المواقف الحياتية المتنوعة، وينقل أفكاره ومشاعره وحاجاته، فإذا أردنا دراسة الفكر الإنساني فلا بد من دراسة عمل اللغة في المجتمع وتوظيفها للسياق الاستعمالي، وهذا السياق يظهر في وظائفها المتعددة والتي من أهمها الوظيفة العلاجية للمفردات اللغوية للتخفيف من الشعور بالقلق أو التوتر أو الخوف أو السخرية، فقد يكون لكلمة دور مهدئ وأثر جيد على الإنسان ويشعر من خلالها بالرغبة بالتفاعل مع أدائها وعملها أكثر من غيرها، وهذا ما نسميه البعد النفسي في وظيفة اللغة التي تقوم على مساعدة الفرد على العيش بين الناس في يسر وطمأنينة وسلام، وتوفر له الحماية والرعاية وتحقيق منافعه ورغباته في إطار هذه الجماعة.
إن الكثير من المهن التي اندثرت في مجتمع ما أو بقيت، فكلاهما كان بسبب عامل تطور اللغة تجاه ممارستها أو الاستفادة من نفعها، فالسباك مهنة طورت اللغة سياقها التوظيفي إلى فني صحي، وسائق الأجرة إلى قائد أو كابتن مركبة، والقهوجي وصف برسام القهوة باريستا، ومقدم الخدمات في الطائرة للركاب إلى مضيف، من هنا سهلت على الكثير من الأفراد الانضمام إلى عالم هذه المهن والعمل في مجالها، وأما المهن التي لم يتم ترقية مفردات دورها بقي المجتمع في حالة عدائية وممانعة تجاه عملها، وهذا لا ينطبق على مسميات المهن وإنما يتعداها إلى كل الاستخدامات، فنعت شخص بالحمار في المجتمع العربي يعني إهانته وتحقيره وأما في أمريكا فيعني أنه شخص ينتمي للحزب الديموقراطي ويفتخر به وبرسم صورته على علم الحزب.
فرمزية اللغة تمثل مجموعة الألفاظ التي نستخدمها كوظيفة رموزية للمسميات التي نطلقها على الموجودات التي تحيط بنا، وهذه الرموز يجري الاتفاق عليها في أي مجتمع، لتكون لغة مشتركة لفهم المرموز واختيارها يدل على العمق الثقافي والحس الذوقي والتقدير الإنساني والقيمي، وهذه الدلالات قابلة للتحديث والتطوير وفق متغيرات الزمان والمكان ونظرة المجتمع لها وتطور الأداء لفنونها، فيوما ما كان مصطلح التفتيش سمة زائر المدارس من منسوبي إدارات التعليم لعمل المفتش ثم انتقل المصطلح إلى الموجه واستقر حاليا عند المشرف التربوي، فالرمزية اللفظية في أي مهنة وتطورها دليل الارتقاء والتهذيب والمواكبة العصرية التي تضيف إليها حداثة الحاضر وإشراقة المستقبل وترفع من شأن ممارسها وتعطيه الأمان النفسي قبل الكسب المادي، فشتان ما بين وصف بائع الدواشق ومسوق المراتب الطبية.
baker4443@hotmail.com
.
وتعتبر اللغة محورا أساسيا في حياة الإنسان، فبها يفهم الكون ومن حوله ويتفاهم مع غيره من أفراد المجتمع في كل المواقف الحياتية المتنوعة، وينقل أفكاره ومشاعره وحاجاته، فإذا أردنا دراسة الفكر الإنساني فلا بد من دراسة عمل اللغة في المجتمع وتوظيفها للسياق الاستعمالي، وهذا السياق يظهر في وظائفها المتعددة والتي من أهمها الوظيفة العلاجية للمفردات اللغوية للتخفيف من الشعور بالقلق أو التوتر أو الخوف أو السخرية، فقد يكون لكلمة دور مهدئ وأثر جيد على الإنسان ويشعر من خلالها بالرغبة بالتفاعل مع أدائها وعملها أكثر من غيرها، وهذا ما نسميه البعد النفسي في وظيفة اللغة التي تقوم على مساعدة الفرد على العيش بين الناس في يسر وطمأنينة وسلام، وتوفر له الحماية والرعاية وتحقيق منافعه ورغباته في إطار هذه الجماعة.
إن الكثير من المهن التي اندثرت في مجتمع ما أو بقيت، فكلاهما كان بسبب عامل تطور اللغة تجاه ممارستها أو الاستفادة من نفعها، فالسباك مهنة طورت اللغة سياقها التوظيفي إلى فني صحي، وسائق الأجرة إلى قائد أو كابتن مركبة، والقهوجي وصف برسام القهوة باريستا، ومقدم الخدمات في الطائرة للركاب إلى مضيف، من هنا سهلت على الكثير من الأفراد الانضمام إلى عالم هذه المهن والعمل في مجالها، وأما المهن التي لم يتم ترقية مفردات دورها بقي المجتمع في حالة عدائية وممانعة تجاه عملها، وهذا لا ينطبق على مسميات المهن وإنما يتعداها إلى كل الاستخدامات، فنعت شخص بالحمار في المجتمع العربي يعني إهانته وتحقيره وأما في أمريكا فيعني أنه شخص ينتمي للحزب الديموقراطي ويفتخر به وبرسم صورته على علم الحزب.
فرمزية اللغة تمثل مجموعة الألفاظ التي نستخدمها كوظيفة رموزية للمسميات التي نطلقها على الموجودات التي تحيط بنا، وهذه الرموز يجري الاتفاق عليها في أي مجتمع، لتكون لغة مشتركة لفهم المرموز واختيارها يدل على العمق الثقافي والحس الذوقي والتقدير الإنساني والقيمي، وهذه الدلالات قابلة للتحديث والتطوير وفق متغيرات الزمان والمكان ونظرة المجتمع لها وتطور الأداء لفنونها، فيوما ما كان مصطلح التفتيش سمة زائر المدارس من منسوبي إدارات التعليم لعمل المفتش ثم انتقل المصطلح إلى الموجه واستقر حاليا عند المشرف التربوي، فالرمزية اللفظية في أي مهنة وتطورها دليل الارتقاء والتهذيب والمواكبة العصرية التي تضيف إليها حداثة الحاضر وإشراقة المستقبل وترفع من شأن ممارسها وتعطيه الأمان النفسي قبل الكسب المادي، فشتان ما بين وصف بائع الدواشق ومسوق المراتب الطبية.
baker4443@hotmail.com
.