سعود القصيبي

بينما كنت أخوض في جدل مع أحد العلماء المتخصصين بعلوم الإنسان القديم حول الأحساء وعمرها التاريخي ومما جاء في حديثه أن تاريخها يعود إلى العصر الحجري. ومما قرأته من خلال أبحاث علماء آثار نقبوا بالواحة أنه بالفعل لم تكتشف أية معثورات أكثر من 8000 عام مضت. إلا أنهم ذكروا أنه من خلال ما وجدوه آثار دالة على أن قمم جبالها كانت مغطاة بالمياه في حقبات تاريخية من عمر الأرض موغلة بالقدم. وما لفت نظري أن البرتغاليين في خرائطهم للمنطقة في القرن الثامن للهجرة وضعوا نهرا من الأحساء واصلا بالخليج العربي. مما قد يعني أيضا وصول الأسماك إليها أو انقطاعها في الأحساء.

حين كنا صغارا كنا نلاحق السلاحف والضفادع كما كنا نشاهد أسماكا صغيرة في الجداول القديمة من الصرف الزراعي. إلا أنه يظل السؤال من أين أتت وكيف؟ وهل هي من سلالات انقطعت أو لم تؤرخ وتسجل من قبل؟ وأين نجدها؟ فجاء بالذهن بحيرة الأصفر وربما نجد فيها بعض الأسماك الدالة على وجود بعض الفصائل القديمة. ومما كنا نسمعه أنه كانت هناك أسماك صغيرة بحجم الإصبع في هذه الجداول من المياه وفي ينابيعها تسمى «الحرشون» وربما هي كانت تلك التي كنا نشاهدها ونحن صغار. وبتواصلي مع بعض الأصدقاء العالمين بالصيد وشؤونه توجهنا إلى بحيرة الأصفر لمعرفة ما يوجد هناك من أنواع الأسماك.

تقع بحيرة الأصفر على الشرق من مدينة الأحساء، وتعتبر أكبر تجمع مائي في منطقة الخليج والوحيدة في المملكة من نوعها والتي تعيش فيها حياة فطرية متكاملة. فهي حاضنة لكثير من الحيوانات والطيور المقيمة والمهاجرة. حولت بحيرة الأصفر لمحمية طبيعية عام 2019 م تمهيدا لدخول الأحساء في قائمة التراث العالمي.

تختلف البحيرة في مساحتها وعمق مياهها حسب الموسم من السنة، فتنقص مساحتها في الصيف، ويتضاعف حجمها في فصل الشتاء ليصل عمقها إلى أكثر من مترين في بعض الأماكن. تغذى البحيرة من مياه الصرف الزراعي وكذلك من مياه الصرف الصحي لتبلغ مساحة حوالي 240000 متر مربع بينما يصل طولها إلى 25 كم.

للذهاب لبحيرة الأصفر مما هو جيد، وجود طريق رملي يسهل الوصول إليها من الطريق الرئيسي المسفلت. إثر وصولنا لطرف البحيرة من طرفها الغربي قابلنا أحد الرعاة مع ماشيته قريبا مما يشابه الأحراش المكونة من أشجار القصب. إلا أن ما أثارنا دهشة هو العدد الكبير من الطيور وكذلك الذباب. ولعل كثرة الحياة الفطرية بها ما جعلها مقصدا للطيور المهاجرة. إلا أننا لم نجد بتلك النواحي بسبب تلك الأحراش مكانا لفسحة مياه نستطيع أخذ عينات الأسماك منه، مما اضطررنا للالتفاف حول البحيرة للوصول لمكان مناسب. وجدنا من الجهة الشمالية من البحيرة عددا من الأكشاك والأماكن المحجوزة كاستراحات على ضفاف البحيرة لهواة صيد الطيور المهاجرة. فدخلنا بجانب إحداها وعثرنا على ضالتنا من مكان به فسحة نستطيع من خلاله رمي شبكتنا دون تعرض شبكتنا لتلك الأغصان من القصب من على ضفاف البحيرة.

عثرنا برميتنا مرتين على أسماك البلطي فأرجعناها فليست هي ضالتنا والمعروفة أنها دخيلة علينا بالمنطقة. كما عثرنا على عينات أسماك جدا صغيرة احتفظنا بها للدراسة والمعاينة. ومن وصفها أنه بأحدها نقاط سوداء والآخر صاف بلون فضي ولا يزيد حجمها على ضعفي طول الظفر ولا يزيد على سماكة الإصبع. وبعثورنا على ضالتنا اكتفينا بكشفنا وعدنا أدراجنا إلا أن ما يلزم التنويه عنه أن الأسماك بتلك البحيرة ليست صالحة للأكل وهناك تحذيرات عدة بشأنها.

عند البحث عن هذه الأسماك الصغيرة بعودتنا وجدنا أنها لأسماك زينة أحدها من منطقة المكسيك وتكساس في أمريكا الشمالية، والآخر من منطقة جزر الكاريبي وأمريكا الجنوبية، تعيش في الأنهار والبحيرات ومياه الصرف. وباعتقادنا أنها كما سمك البلطي أحدهم تخلص منها برميها في قنوات الصرف المتجهة للبحيرة فتكاثرت بأسباب عدم وجود عدو طبيعي لها مما سبب خللا بيئيا. وبالعودة إلى بحثنا عن تلك الأسماك التاريخية بمنطقة الأحساء لنا عودة وربما نكتشف بتلك الينابيع وجداولها ما يبين تواجد الفصائل القديمة من الأسماك.

@SaudAlgosaibi