د. عبدالله محمد القرني

أفرزت لنا السينما العالمية منذ ثلاثينيات القرن الماضي ما يسمى أفلام الخيال العلمي والتي كانت تهدف في ذلك الوقت إلى تصوير أحلام وخيالات الإنسان بطريقة تفوق تفكير وتوقعات البشر في حينها وذلك بقصد الاستحواذ على ذهول وإعجاب المشاهدين من جهة وتصوير أمنياتهم ورؤيتهم للمستقبل من جهة أخرى، فرأينا السيارة الناطقة والسيارة الطائرة والجهاز العاطفي الآلي الذي يتحكم في المنازل والسفر عبر الزمن والقائمة تطول في هذا المجال.

ومع بزوغ فجر الثورة الصناعية الرابعة والتي شهدت تقدما كبيرا في مجالات الاتصالات والإلكترونيات والحوسبة وارتباط البشر بالإنترنت بصفة عامة تحول هذا الخيال إلى واقع ملموس فظهرت لنا تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) وإنترنت الاشياء (IoT) وظهرت معهما تطبيقات فريدة كانت أشبه ما تكون بالخيال.

يعرّف المختصون الذكاء الاصطناعي على أنه الخصائص الحاسوبية المرتبطة ببعض الأجهزة والمعدات والتي تحاكي القدرات الذهنية البشرية لأداء مهام محددة بطريقة ذاتية دون تدخل بشري وذلك بناء على سلوك محدد مبني على المعلومات والبيانات المجمعة وتحليلها ومن ثم اتخاذ ردة الفعل المناسبة، إذن فهو يعتمد سلفا على كمية وجودة المدخلات لهذه الأنظمة من معلومات وبيانات بالإضافة إلى التدريب على ردة الفعل المناسبة.

وقد بدأت كثير من المؤسسات الصناعية والتجارية وغيرها في التوسع مؤخرا في الاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي وذلك لعدة أسباب منها التقدم الكبير في عالم الحوسبة والإمكانيات الضخمة في هذا المجال ومنها السحابة الإلكترونية والتي مكنت من الوصول للعديد من الخدمات والتطبيقات بكل يسر وسهولة، وثاني هذه الأسباب حجم البيانات الضخمة المتوفرة في شتى المجالات والتي مكنت من عمليات التحليل المنطقي ومن ثم معالجة هذه البيانات لبناء تصورات دقيقة لتنبؤات السلوك الممكنة، وثالث هذه الأسباب التنافسية الكبيرة بين العديد من الشركات والتي أصبح فيها سرعة اتخاذ القرار عامل نجاح كبير وهو ما توفره تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

ويعتبر المجال الطبي من أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي حيث استطاع الأطباء من خلال دراسة وتحليل آلاف الصور والبيانات والسجلات الطبية الإلكترونية للمرضى تحديد الأسباب الجوهرية لبعض الأمراض وبالتالي تفادي الوصول للحالات الحرجة من خلال عمليات التنبؤ المسبق، كما تمت الاستعانة بالروبوت (الإنسان الآلي) في إجراء العديد من العمليات الجراحية الدقيقة وأخذ العينات وأعمال التعقيم.

كما تم استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات الصناعة المختلفة منها صناعة السيارات فقد تم استخدام الروبوتات في خطوط إنتاج تصنيع العديد من أجزاء السيارات بالإضافة إلى تطوير العديد من الخوارزميات لتصنيع السيارات ذاتية القيادة، وقد توقعت وكالة كينيث الأمريكية لأبحاث الأسواق أن تصل حصة الذكاء الصناعي في صناعة السيارات إلى حوالي 10.8 مليار دولار بحلول عام 2025م. كما تمت الاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في صناعة التعدين ويتجلى ذلك في أعمال الحفر والتنقيب ونجح ذلك في التعامل مع البيئات الجغرافية المختلفة بكل كفاءة وفعالية. عموما فمجلات تطبيقات الذكاء الاصطناعي الأخرى كثيرة جدا منها تطبيقات الهواتف الذكية وصناعات الأدوية وكذلك صناعات مستحضرات التجميل وغيرها بالإضافة إلى مجالات خدمات العملاء والخدمات اللوجستية والتسويق والزراعة.

ويترافق مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي مفهوم آخر لا يقل أهمية عنه ألا وهو تطبيقات إنترنت الأشياء والتي تعنى بعملية التحكم في كثير من الأشياء حولنا عن طريق الاتصال بشبكة الإنترنت ومن أمثلة ذلك المنزل الذكي (smart home) والذي نستطيع فيه التحكم في كثير من الأجهزة والمعدات من خلال اتصالها بشبكة الإنترنت وكذلك الأجهزة الذكية القابلة للارتداء، والعلاقة بين هاتين التقنيتين كبيرة جدا حيث ينتج عن استخدام تطبيقات إنترنت الأشياء العديد من البيانات الضخمة والتي تتولى تطبيقات الذكاء الاصطناعي دراستها وتحليلها.

ختاما، في اعتقادي أن هذه التطبيقات لن تكون بديلا للإنسان بقدر ما ستكون معززة لقدراته ومساهماته كون الإنسان هو المطور في الأساس لها مما يجعلها رافدا مهما ومن روافد نجاح الإنسان ذاته.

Eng_me_amg@yahoo.com