أ.د. هاني القحطاني

«مدن رائعة: القصص وراء أمكنة العالم المدهشة» عنوان كتاب صدر مؤخرا (2021) بالإنجليزية عن دار نشر DK ومقرها الرئيس لندن، ولها فروع في كثير من دول العالم. وإذا قيل «الكتاب يقرأ من عنوانه»، فإن هذا الكتاب من أصدق الكتب، التي ينطبق عليها هذا الوصف.

الكتاب عبارة عن مسح تاريخي جغرافي لعدد من أهم مدن العالم. ليس للكتاب مؤلف واحد يعرف به، وإنما قام بتأليفه عدد من المتخصصين في مجالات مختلفة، من جنسيات مختلفة وأعمار مختلفة، على اتصال مباشر بالمدينة. كما أن ثلاثة من مستشاري تحرير الكتاب الأربعة هم مؤرخون. وهناك كادر فني مسؤول عن إخراج الكتاب يزيد عدد أفراده على الثلاثين. وفي هذا التعريف الموجز والضروري ما يغني عن التعليق في طريقة إنتاج المعرفة وأهمية المشاركة المعرفية بين مختلف المتخصصين في كل المجالات ودور الصورة في نقل المعرفة لإنتاج معرفي متميز.

الكتاب مقسم إلى خمسة فصول وهي كالتالي: الفصل الأول ويحتوي على مراكز الحضارات القديمة والمندثرة، وهو يبدأ بروما وينتهي بكوسكو في البيرو، الفصل الثاني ويحتوي على مدن الأنهار العظيمة، ويبدأ بلندن وينتهي بنيواورلينز، الفصل الثالث ويحتوي على مدن السواحل، ويبدأ بدبلن وينتهي ببيونس آيرس، الفصل الرابع ويحتوي على المدن المصممة، ويبدأ بسانت بطرسبرج الروسية وينتهي في برازيليا، والفصل الخامس ويحتوي على مدن الميتروبوليس الحديثة، ويبدأ بدبي وينتهي بلوس أنجلوس. وفي نهاية كل فصل هناك قائمة إضافية في صفحتين لمدن واعدة تندرج تحت نفس التصنيف. الفصول الثلاثة الأولى متقاربة في الحجم والعدد. أما الفصلان الأخيران فهما أصغر حجما وأقل عددا.

يقع الكتاب في 320 صفحة على هيئة أطلس مصور صغير. وفي حقيقة الأمر، فإنك لا تعرف هل تقرأ الكتاب قراءة معمقة، أم تتصفحه لالتقاط معلومة سريعة، هل تكتفي بإلقاء نظرة على صوره، التي تعتبر بحد ذاتها أعمالا فنية، أم تركز فقط على الرسومات التاريخية، التي تصاحب كل مدنه من الغلاف إلى الغلاف. هذا كتاب تاريخي أدبي سوسيولوجي وقد تحزم بلوحات فنية. في هذا الكتاب يمشي القارئ في ساحات سطرت تواريخ، ويتعرف على شخصيات صنعت تواريخ، ويدخل أيقونات في العمارة لا يود الخروح منها. في ثنايا الكتاب تشم عبق التاريخ وتستحضر سير قادة عظماء وأدباء وفنانين، وكل قامات وهامات الأمم. إنه ببساطة متعة معرفية وفنية.

إنك لتحتار في أي مدينة تسافر، فكل المدن بلا استثناء قد حازت قصب السبق في هذا السباق. هنا تقدم المدينة نفسها بإيجاز تاريخي وبلاغة بصرية مدهشة، وهو ما يجعل من الكتاب عقدا مطعما بجواهر المدن، التي بناها الإنسان. وبطبيعة الحال فإن لكل مدينة بصمتها الخاصة. والمدينة هي كائن عضوي. إنها أشبه بالإنسان يولد صغيرا وينمو ويشب ويبلغ أشده ثم يشيب ويهرم. هكذا هي المدن وهكذا على نطاق أوسع ما قال به ابن خلدون وتونبي في نظرتيهما لتاريخ الحضارات. لكن ما يصاحب فترات النمو هذه من أحداث ومن يؤثر فيها من شخصيات، وما يزدهر فيها من نشاط وما تمر به من ظروف تصعد بها تارة وتخفضها تارة أخرى، وقبل هذا وذاك، ما تفرضه عليها عوامل الجغرافيا هو ما يصنع الفارق بين مدينة وأخرى، تماما كما يختلف البشر عن بعضهم بالرغم من تعدادهم. وهذا تماما صلب الكتاب.

غير أن ما يلفت النظر في هذا الكتاب، الذي لا غنى عنه لأي متخصص في بناء وإدارة وتشغيل المدن، بدءا من قمة السلم الهرمي، وصولا إلى القارئ العادي هو خلوه من مدن العالمين العربي والإسلامي، والمملكة بوجه خاص، وهو ما يستوجب مقالا آخر...... يتبع.

Hanih@iau.edu.sa