آمنة خزعل - الدمام

حالة من الفتور وعدم التفاهم وفقدان المودة بين الزوجين

أصبح الانفصال العاطفي المهدد الأول لاستقرار الأسرة في العصر الحديث، وتعدى خطره الطلاق الذي كان يمثل المهدد الأول قديما، ويحتاج علاج هذه الآفة العصرية إلى اهتمام نوعي من الأكاديميين والمختصين في مجلات التربية والإرشاد وعلم النفس، وذلك للمحافظة على الأسرة التي تمثل العامل الأول والأساسي في تكوين الكيان المجتمعي، وهي مصدر الاستقرار النفسي الأول لأفراده، والكيان السامي الذي يمثل محل اهتمام المجتمعات وقضيتها الأولى.

ظاهرة حديثة

وأوضحت المستشار النفسي والمشرف الإكلينيكي د. عبير رشيد، أن الانفصال العاطفي هو ظاهرة حديثة خطيرة انتشرت في الآونة الأخيرة في المجتمعات، ويعرف بأنه حالة من الفتور بين الزوجين وعدم التفاهم في كل الأمور البيئية والحياتية وفقدان المودة والرحمة والسكينة بينهما، حتى تصل إلى الانفصال في كل شيء، وتسود مشاعر الغربة بينهما تحت سقف بيت واحد، فيغيب الحب والاحترام والتقدير والألفة والتواصل الصحي، ويأتي بدلا منه القسوة والحدة تجاه بعضهما البعض، وفي هذه الحالة، يعيش كل منهما في عالمه الخاص به بعيدا عن الآخر، وتصبح العلاقة بين الزوجين رسمية جدا.

زعزعة الثقةوأضافت: يمر الطلاق العاطفي بمراحل متعددة، فيبدأ بزعزعة الثقة ومن ثم فقدان الحب، ثم التصرف بأنانية نحو الطرف الآخر، ويتبعه الصمت الزواجي، وتهز طبيعة العلاقة الزوجية بهذه الصورة كيان واستقرار الأسرة بشكل كبير يتعدى الأزواج ويمتد إلى الأبناء واستقرارهم النفسي، وتعد هذه المرحلة الأولي التي يتبعها في كثير من الأحوال الطلاق الرسمي، وارتفاع نسبة الطلاق الرسمي في مجتمعنا ما هو إلا مؤشر لازدياد حالات الانفصال العاطفي بين المتزوجين، لأن الطلاق غالبا يبدأ بوجود شرخ في العلاقة الزوجية.

صمت الأبناء

وقالت إن البعض يعتقد أن البقاء على الزواج، وإن كان يسوده الانفصال العاطفي، خير من الإقدام على خطوة الطلاق الفعلي، وذلك للحفاظ على كيان الأسرة والحرص على سلامة الأبناء النفسية من آثار الطلاق العارمة، ولكن الحقيقة عكس ذلك، فالانفصال العاطفي بين الآباء في الأسرة هو الأسوأ على الأبناء، فمهما نجح الزوجان في الحفاظ على صورة الزواج المثالية المصطنعة أمام المجتمع، فإنهما بكل تأكيد لن يتمكنا من الظهور بهذه المثالية أمام أبنائهم الذين يعشون تحت هذا السقف الركيك في بيئة غاب عنها الهدوء والسلام والعاطفة، يراقبون بصمت قاتل أعراض هذا الانفصال الذي سيكون له أثر سلبي على كفاءتهم الذاتية وثقتهم بأنفسهم مستقبلا.

مراحل الفقدوتابعت: الأثر السلبي للانفصال العاطفي على الأطفال ليس مستقبليا فحسب، إنما له تأثير بالغ على حاضرهم وسلام حياتهم اليومية، وفي حالات الطلاق الرسمي يمر الآباء وأبناؤهم بسلسلة من مراحل الفقد الخمس كما وصفها «كوبلار وكيسلار»، وهي: الإنكار«لا يوجد خلل، نحن بخير»، الغضب «لماذا يحدث هذا معنا نحن تحديدا؟»، المساومة «نحاول أن نصلح الخلل، نحاول أن نكون بخير»، الاكتئاب «لا شيء يستحق»، وأخيرا القبول «سنتقبل الواقع كما هو عليه ونمضي».

معاناة وقلقواستطردت بقولها: عند الوصول إلى مرحلة القبول تزول كل المراحل السابقة وتبدأ مرحلة السلام والتسامح وقبول الواقع، مع محاولة النظر إلى الجانب الإيجابي خاصة إذا كان الطلاق بين الآباء صحيا، أما في حالة الطلاق العاطفي فإن الأبناء يعشون كل المراحل المذكورة أعلاه بشكل دائم ومستمر مع غياب الرؤية الواضحة والمؤكدة للوضع الأسري، ما يترتب عليه شعور الأبناء بعدم الأمان والقلق والتوتر والاكتئاب والإرهاق العصبي، وعدم الاتزان النفسي والوجداني والشعور بالضياع والخوف من المجهول، وهكذا يكون الطلاق الخفي أشد وطئا وسوءا من الطلاق البين الرسمي بين المتزوجين.

إستراتيجيات إرشاديةوأشارت إلى أن الطلاق العاطفي آفة خطيرة قد تصيب الحياة الزوجية في أي مرحلة من مراحل الزواج، وتهدد هذه الآفة الأسرة وتسبب الأذى النفسي لأفرادها، وهي موجودة بشكل ملموس في مجتمعاتنا العربية لأسباب ثقافية مختلفة، وعليه فإنه يجب علينا تداركها قبل أن تتفاقم ويصبح من الصعب السيطرة عليها، ونحن في هذه المرحلة من ظهورها في أمس الحاجة إلى تدخل سريع من قبل المتخصصين والمستشارين التربويين والنفسيين للعمل على تفعيل البرامج التوجيهية والإرشادية والمعني بها الأزواج وفئة الشباب المقبلين على الزواج، بحيث تركز هذه البرامج على تقديم إستراتيجيات إرشادية فعالة لرفع مستوى الوعي بمعنى الانفصال العاطفي ومسبباته وكيفية التعامل معه في بداية ظهوره، وتداركه قبل أن يتفاقم، كما أن هذه البرامج تساعد الأزواج على تفعيل فن الحوار فيما بينهم، وتعزيز مبدأ الزواج وأهمية سلامته على الفرد والمجتمع، كما أننا نوصي بتفعيل دور الإرشاد الأسري في المجتمع المحلي، الذي يعد شبه غائب حاليا في مجتمعنا في الوقت الراهن، كما أنه من المهم جدا تفعيل دورات التأهيل للزواج من قبل المختصين في هذا الجانب، فالوقاية دائما خير من العلاج.

تدارك الأسباب قبل تفاقمها وصعوبة السيطرة عليها.. أبرز طرق العلاج

يبدأ بزعزعة الثقة وفقدان الحب مرورا بالصمت الزواجي وينتهي بالطلاق

الأبناء يراقبون بصمت أعراض هذا الانفصال الذي يؤثر سلبا على مستقبلهم

آفة عصرية تحتاج لاهتمام المختصين في التربية والإرشاد وعلم النفس