د. محمد حامد الغامدي

* وجود الإنسان في أي بيئة مرتبط بتواجد التربة والماء والغطاء النباتي. هي توليفة وقوام محور استدامة حياة الإنسان. فهل يعني هذا أن جميع مناطق الدرع العربي كانت أنهارًا وينابيع وجنات من الغطاء النباتي والحياة الفطرية؟ هناك شواهد توّثق وتؤكد. ما الذي حدث لتتآكل تلك المشاهد؟ ما السبب خلف البؤس البيئي الذي نراه، خاصة في جبالنا السمراء الجرداء من الغطاء النباتي؟

* أكسبني الدفاع عن الماء طوال العقود الماضية مساحة واسعة، مكّنت من قراءة مؤشرات المستقبل العلمية البيئية. التفكير والاهتمام بجانب استمرار الكتابة المتواصلة عن الماء ألهمني أفكارا تحمل فلسفة منهج حياة بيئية ضرورية، أراها ماثلة أمامي وكأنها حقيقة.

* بيئتنا المحلية هشة وحساسة وتحتاج إلى اهتمام، وعمل بهمّة، ورعاية، وتنمية مستدامة، وقبل ذلك تتطلب قناعة وإيمانًا بأهمية البيئة كمحور حياة.

* الأمر المؤلم الذي جعلني أستمر في دفاعي عن الماء والبيئة، أنه في ظل غياب وتجاهل متطلبات الحياة النموذجية الأساسية؛ بجانب عدم الاكتراث وسوء التخطيط البيئي؛ مع أمور أخرى السكوت عنها فضيلة، أرى العطش أمامي يرافقه التصحر ويمهّد للهجرة السكانية في نهاية الأمر.

* المشهد البيئي المرعب هو الأقرب في ظل المؤشرات العلمية، خاصة في مناطق الشريط المطير المهم على قمم جبال الحجاز والسراة. هذا ليس تشاؤمًا، لكنه قراءة علمية. المؤشرات لها نتائج معروفة مسبقًا، وكنتيجة أرى المستقبل من خلال مؤشرات الواقع الذي أعيشه. لذلك قلت إن موت شجر العرعر في مناطقنا المطيرة، يشكل الإنذار الأخير، ويجب أخذه على محمل الجد والمسؤولية.

* إن موت شجر العرعر ينذر ويحذر من غياب الواجبات الوطنية تجاه بيئة أجيالنا القادمة، الأمر الذي سيشكل ضربة موجعة تصل حد تواجدهم في هذه المناطق المطيرة وغيرها. إن المستقبل مسؤولية الحاضر بكل ما تعنيه هذه الكلمة، وما تحمله من واجبات ومسؤوليات.

* نحن لسنا في دولة جاهلة. لدينا العلماء والمتخصصون في شتى المجالات. لماذا الغياب؟ هل لأننا مشغولون عن مستقبل بيئتنا؟ من الذي ألهانا في حاضرنا عن مستقبل بيئتنا؟ بالتأكيد لا يمكن أن يكون الجهل.

* كيف كان حال بيئة جبال الدرع العربي عبر القرون؟ الجواب يمثل قاعدة الانطلاق نحو الجواب. سأبحر عبر التحليل لتحقيق أهداف منها: تأكيد تحميل جيلنا مسؤولية مستقبل البيئة، ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولحماية ما تبقى لنا من البيئة الحية في الشريط المطير.

* إن الغاية النهائية التي أتطلع إليها، تكمن في تحقيق إنقاذ المستقبل وأجيالنا القادمة من العطش، خاصة أجيالنا التي تستوطن مناطق الدرع العربي المطيرة، الخزان الإستراتيجي لتغذية المياه الجوفية. إنهم معول بقائها وفنائها أيضًا. الجميع يواجه حزمة الخطر التالية: الجفاف، الجوع، العطش، التصحر، الهجرة.

* لنتذكر مصطلح (ساق الغراب)، لوصف حال الجبال السمراء في منطقة الدرع العربي، بعد أن تعرّت من غطائها النباتي بسبب جرف تربتها الثمينة والنادرة. نتيجة لذلك تسيّد هذه الجبال مشهد الصخور السمراء التي تشبه ساق الغراب، خاليًا من الرّيش، موحش الشكل، أقرب إلى الموت منه إلى الحياة.

* لقد دبَّ التآكل عبر العقود الماضية في بيئة منطقة الدرع العربي، وكانت في يوم من الأيام مناطق غزيرة الأمطار، لكنها تقلصت إلى شريط ممطر ضيق، آخذ في الانكماش سنة بعد أخرى.

* اليوم نعيش حالة غفلة بيئية كبرى. هل تكون غفلة مستدامة؟ كأن مهمة هذه الغفلة زيادة مساحة (ساق الغراب). هل ستصبح جميع جبالها خالية من التربة في ظل استمرار المؤشرات الحالية؟ هل ستصبح خالية من الغطاء النباتي؟ الجواب نعم. هذا يعني أن استيطان الإنسان لن يستمر في هذه المناطق حتى في وجود المطر. التصحر قادم. المسألة مسألة وقت. ويستمر الحديث بعنوان آخر.

@DrAlghamdiMH