جيل الثمانينيات الأدبي والفكري في المملكة، جيل عاش أتون المواجهات وتباين التوجهات والمواقف والصراع الناتج عنهما، بحيث امتاز عما سبقه من جيل، وما جاء بعده من جيل، بهذا الحراك الذي ارتفعت وتيرته، ولولا أحداث التسعينيات لاتخذ هذا الحراك مسارا آخر، غير الذي عاشته الأجيال لاحقا.
لكن السؤال هنا، ما الذي امتاز به هذا الجيل حتى كان حراكه يختلف عما قبل وعما بعد ؟!
أولا - شهد عقد الثمانينيات بروز تيار الصحوة، وهو التيار الذي هيمن - بتشدده الديني المتطرف- على المشهد الاجتماعي الثقافي السعودي، وكان تمدده في مفاصل المؤسسات التعليمية كالمدارس والجامعات والمعاهد العلمية والمساجد، لم يكن سوى ثمرة من ثمار تنظيمه الجيد، وقوته المدعومة من عدة جهات متنفذة في المجتمع والدولة.
ثانيا - سعى هذا التيار في فرض آرائه على المجتمع بالترهيب تارة وبالترغيب تارة أخرى، خصوصا فئة الشباب، مستخدما وسائل عدة، من بينها الأشرطة (الكاسيت) التي كان تأثيرها قويا وسريعا وفعالا، بجانب المحاضرات والندوات وخطب الجمعة.
ثالثا - لم يجد - هذا التيار - من ينافسه في الساحة، فابتكر عدوه الخاص، ثم ضخمه، حتى يضخم خطره على الأمة والمجتمع، ويضخم بالتالي أهمية دوره الرسالي، ولم يكن هذا العدو سوى مجموعة من الشباب الذين يكتبون القصيدة الحديثة بحجة أنهم حداثيون، والحداثة في عرفهم هدم وتغريب وكفر وإلحاد، وبحجة أيضا أن ما يكتبونه ينافي التقاليد الراسخة التي عرفها الموروث الأدبي العربي.
وما جعل هؤلاء المبدعين الشباب في فوهة المدفع هو بروز نقاد - وإن كان أغلبهم من جيل سابق، كمحمد العلي، عبدالله نور، سعيد السريحي، سعد البازعي - ينافحون عن القصيدة الجديدة، ويدافعون عن جمالياتها وفنياتها في الصحف وعلى المنابر الأدبية والثقافية، والتي في أغلبها لم تتأثر بهذا التيار وأفكاره.
احتدام الصراع بين الطرفين كان ينظر إليه على أنه صراع بين تقليديين وحداثيين، بينما الواقع يقول: إنه لم يكن سوى سجال إيديولوجي لم ينبنِ على مساءلة اللحظة واستحقاقاتها من المعرفة والتحليل والفهم، ضمن خطاب يمكن أن نطلق عليه خطاب الحداثة في المجتمع السعودي.
وليست ثنائية (تقليدي / حداثي) سوى ذريعة لاختزال هذا الصراع في جانبه الأدبي فقط.
بالمقابل كان السجال يمتد إلى الساحة الفكرية بين ليبراليين أدباء كغازي القصيبي وتركي الحمد ومحمد العلي وبين زعماء في التيار الصحوي، عوض القرني، سلمان العودة، سعد البريك. لكنه سجال لم يفسح المجال؛ لأن يتحول إلى نقطة ارتكاز، ولغة مشتركة، تنطلق منه الدراسات المتخصصة في الشأن المحلي وغير المتخصصة بشكل عام.
على خلفية هذا المشهد، يحق لنا أن نتساءل هنا: هل دخل شيء من هذا الصراع، وأثر على الكتابة الإبداعية، وإن بطريق غير مباشر، عند هؤلاء الشعراء من جيل الثمانينيات، بالخصوص أنهم لم يكونوا يملكون من أدوات الصراع سوى النص الذي يكتبونه، فأغلبهم لم يساجل خارج حدود نصه ؟!
السؤال كبير، ومساحة الإجابة عنه شاسعة ومتداخلة، تحتاج لأكثر من مقال ولأكثر من بحث. لكن سأختار نموذجا واحدا. الشاعر محمد الثبيتي هو المثال الأبرز على اختبار هذه المساءلة ووضعها موضع التدقيق. فعندما كتب «التضاريس» النص الأكثر نضجا في تجربته، كانت منابر الصحوة تضج بالتعريض به والتنديد بكتابه.
وهذه دلالة كبرى على أن نص تضاريس كتب بمعزل عن أي تأثير، يجد الشاعر نفسه محاطا به لحظة الكتابة.
@MohammedAlHerz
لكن السؤال هنا، ما الذي امتاز به هذا الجيل حتى كان حراكه يختلف عما قبل وعما بعد ؟!
أولا - شهد عقد الثمانينيات بروز تيار الصحوة، وهو التيار الذي هيمن - بتشدده الديني المتطرف- على المشهد الاجتماعي الثقافي السعودي، وكان تمدده في مفاصل المؤسسات التعليمية كالمدارس والجامعات والمعاهد العلمية والمساجد، لم يكن سوى ثمرة من ثمار تنظيمه الجيد، وقوته المدعومة من عدة جهات متنفذة في المجتمع والدولة.
ثانيا - سعى هذا التيار في فرض آرائه على المجتمع بالترهيب تارة وبالترغيب تارة أخرى، خصوصا فئة الشباب، مستخدما وسائل عدة، من بينها الأشرطة (الكاسيت) التي كان تأثيرها قويا وسريعا وفعالا، بجانب المحاضرات والندوات وخطب الجمعة.
ثالثا - لم يجد - هذا التيار - من ينافسه في الساحة، فابتكر عدوه الخاص، ثم ضخمه، حتى يضخم خطره على الأمة والمجتمع، ويضخم بالتالي أهمية دوره الرسالي، ولم يكن هذا العدو سوى مجموعة من الشباب الذين يكتبون القصيدة الحديثة بحجة أنهم حداثيون، والحداثة في عرفهم هدم وتغريب وكفر وإلحاد، وبحجة أيضا أن ما يكتبونه ينافي التقاليد الراسخة التي عرفها الموروث الأدبي العربي.
وما جعل هؤلاء المبدعين الشباب في فوهة المدفع هو بروز نقاد - وإن كان أغلبهم من جيل سابق، كمحمد العلي، عبدالله نور، سعيد السريحي، سعد البازعي - ينافحون عن القصيدة الجديدة، ويدافعون عن جمالياتها وفنياتها في الصحف وعلى المنابر الأدبية والثقافية، والتي في أغلبها لم تتأثر بهذا التيار وأفكاره.
احتدام الصراع بين الطرفين كان ينظر إليه على أنه صراع بين تقليديين وحداثيين، بينما الواقع يقول: إنه لم يكن سوى سجال إيديولوجي لم ينبنِ على مساءلة اللحظة واستحقاقاتها من المعرفة والتحليل والفهم، ضمن خطاب يمكن أن نطلق عليه خطاب الحداثة في المجتمع السعودي.
وليست ثنائية (تقليدي / حداثي) سوى ذريعة لاختزال هذا الصراع في جانبه الأدبي فقط.
بالمقابل كان السجال يمتد إلى الساحة الفكرية بين ليبراليين أدباء كغازي القصيبي وتركي الحمد ومحمد العلي وبين زعماء في التيار الصحوي، عوض القرني، سلمان العودة، سعد البريك. لكنه سجال لم يفسح المجال؛ لأن يتحول إلى نقطة ارتكاز، ولغة مشتركة، تنطلق منه الدراسات المتخصصة في الشأن المحلي وغير المتخصصة بشكل عام.
على خلفية هذا المشهد، يحق لنا أن نتساءل هنا: هل دخل شيء من هذا الصراع، وأثر على الكتابة الإبداعية، وإن بطريق غير مباشر، عند هؤلاء الشعراء من جيل الثمانينيات، بالخصوص أنهم لم يكونوا يملكون من أدوات الصراع سوى النص الذي يكتبونه، فأغلبهم لم يساجل خارج حدود نصه ؟!
السؤال كبير، ومساحة الإجابة عنه شاسعة ومتداخلة، تحتاج لأكثر من مقال ولأكثر من بحث. لكن سأختار نموذجا واحدا. الشاعر محمد الثبيتي هو المثال الأبرز على اختبار هذه المساءلة ووضعها موضع التدقيق. فعندما كتب «التضاريس» النص الأكثر نضجا في تجربته، كانت منابر الصحوة تضج بالتعريض به والتنديد بكتابه.
وهذه دلالة كبرى على أن نص تضاريس كتب بمعزل عن أي تأثير، يجد الشاعر نفسه محاطا به لحظة الكتابة.
@MohammedAlHerz