سالم اليامي

يبدو أن وسائل التواصل الاجتماعي المنتشرة بين الناس في هذه الفترة ستصبح أحد أبرز صانعي الأخبار، ليس بين الناس بل حتى على مستوى الوكالات التي كان ينظر إليها على مدى عقود أنها مصادر الأخبار، وصانعتها، من ذلك على سبيل المثال ما تابعه الكثيرون قبل أيام من خبر نقلته وكالة سبوتنيك الروسية، الخبر مصمم على شكل قصة مستوحاة من تغريدة، ومقطع فيديو قصير. التغريدة لرجل يزعم أنه مختص بتتبع أخبار، وفعاليات تطور العلاقات بين العرب، واليهود، والفيديو بحسب الوكالة وقد تمت إعادة نشره بين ثنايا الخبر الذي صمم بحرفية، وألفاظ تجذب انتباه القراء، ويظهر في الفيديو رجل يرتدي بالطو أسود وقبعة قيل إنه حاخام يهودي يرقص بشكل هزلي مع رجل يرتدي الزي السعودي، وقيل إن الفيديو مصور في مدينة الرياض، وتستشهد الوكالة على ذلك بذكر أحد المتحدثين لما قيل بأنه حاخام يهودي أسماء أماكن تسوق، ومطاعم في مدينة الرياض. ابتداء كل ذلك يمكن أن يكون تمثيلا، وتنكرا وللعلم الزي المذكور في الخبر كثيرا ما يستخدم كزي تنكري، في المناسبات والحفلات العامة، ومن عاش في الغرب لبعض الوقت يعرف ذلك جيدا. الأمر الآخر وربما الأهم أن بلادنا اليوم مفتوحة لكل الناس، ولدينا القدرة كدولة وشعب، ومجتمع على التعاطي مع شعوب الأرض على اختلاف نحلهم، ومللهم، بمعنى ولنفرض أن من كان في الصورة، وفي الفيديو هو حاخام يهودي ويتجول في الرياض، يمكن أن يكون الرجل يحمل الجنسية الأمريكية، أو أي جنسية أخرى، وهذا يجعل من قدومه أمرا لا يحمل كثيرا من الغرابة التي حاولت الوكالة الروسية الترويج لها. وفي هذا السياق أتذكر وكنت أعيش قبل سنوات طويلة في أحد البلدان الآسيوية التي خرجت من تحت عباءة السيطرة الروسية، في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وقدر لي الله سبحانه السكن في شقة صغيرة هادئة في عمارة صغيرة في الطابق الأرضي تعيش السيدة مالكة العمارة، وهي سيدة مسنة لطيفة، وكريمة وكثيرا ما كانت تدعوني، والجيران الآخرين لتناول الشاي والحلوى معها. في الطابق الثاني شقتان فقط، الأولى سكنت فيها، والمقابلة لي يسكن فيها رجل أبيض طويل القامة بصورة واضحة يتحرك دائما برفقته طفل في الحادية، أو الثانية عشرة من عمره، وسيدة قليلا ما أراها تتحرك خارج شقتها، بدينة بيضاء بطيئة الحركة. رأيتها قبل أن أتعرف بهم كجيران مرات محدودة. منذ اليوم الأول لسكني في تلك الشقة وأنا أبادر بإلقاء تحية الصباح عند خروجي من شقتي إذا صادف وجود الجار «فلادك» أو شقيقته «بيلا» هذا الأمر جعل السيدة مالكة المنزل تستوقفني أحد الأيام وتشيد بما أفعله كل صباح مع الجيران، ونقلت لي أنهم ممتنون لذلك، فاستغربت لأن ما قمت به فعل طبيعي بين الناس، ولا يحتاج في الغالب للملاحظة، والإشادة. فأخبرتني السيدة العجوز التي كانت تحتسي طوال النهار عشرات أكواب الشاي الأخضر، وهي تراقب الطريق أمام منزلها أن مصدر ملاحظة الجيران لسلوكي كونهم «يهود» وكان يسكن بجوارهم قبلي رجل مسلم كان لا يتعاطى معهم مطلقا بما في ذلك تحية الصباح. فأخبرتها ببساطة أن ديني وعاداتي وتقاليدي لا تمنعني من أن أكون أنا وغيري جيرانا طيبين مع جيراننا.

@salemalyami