في زمن المعلوماتية يتواصل الناس أكثر فأكثر وبسرعة أكبر فأكبر، وبصورة رديئة أشد فأشد، ويتعذب عدد من الناس من التنمر والعنف وعدم الفهم والاستيعاب من قبل الآخرين، وأصبحت أولوية الانشغال بإنجاز المهمات تفوق بنسبة عالية الانشغال بنوعية علاقاتنا، مما جعل الكثيرين منا يشعر بعدم قدرته على التعبير بشفافية، وبحاجته الكبيرة لمَن يسمعه ويفهمه، وعلى الرغم من وسائلنا العديدة للتواصل، فنحن مصابون بإعاقة في التعبير والاستماع الحقيقيين، مما يجعلنا خلال عملية الاستيلاء المحمومة نخسر شيئا حميميا حقيقيا كأن نكون إنسانيين بدون تمثيل وبدون قناع وبعيدا عن كل المخاوف، فقد أصبحنا في أغلب الأحيان نخاف من أن نضيع في داخل علاقة، مما جعلنا نحمي خوفنا بالانقطاع عن التواصل الصادق مع الآخر، أو أن نلجأ لاستخدام التواصل العنيف، فالعنف نتيجة منطقية لعدم الوعي، وعندما نكون أكثر وعيا بما نعيشه حقا، فسوف نجد الفرصة بسهولة للتعبير عن قوتنا دون أن يعتدي كل منا على الآخر، وهو يقع عندما نستخدم قوتنا لا لنخلق أو نحمي، بل من أجل الإجبار، سواء وقع الضغط علينا أو على الآخرين، فنبدأ في إصدار الأحكام على الآخرين أو على الموقف بدلالة القليل الذي شهدناه، ونأخذ هذا القليل كدليل دامغ على كونه الحقيقة، فنرى رجلا أمامنا يركب بسيارة أنيقة فخمة، فنتهمه بالاستعلاء وباستعراض ثروته، متخذين من هذا المشهد أنه الواقع الوحيد، فنلغي الجمال الداخلي لهذا الشخص ونتصرف معه بحكم عنيف مختزل، وقد يكون هذا الشخص سخيا جدا بماله لمساعدة المحتاجين، لكننا لم نسمح لأنفسنا بالتعرف على ذلك، بل ضيقنا الحكم عليه وسجناه داخل أدراج فئة محددة، فنأخذ الجزء الظاهر من جبل الثلج العائم في البحر على أنه الجبل بكامله، بينما يعرف الجميع أن تسعين بالمائة منه توجد تحت سطح البحر وغير ظاهرة للعيان، فالإنسان لا يرى جيدا إلا بالقلب، والأساس لا يُرى بالعينين، ولكننا اعتدنا الحكم على الآخرين بأسرع من البرق، كما نميل كذلك في أن نصوغ الأمور باللون الأبيض أو الأسود، سلبي أو إيجابي، فالباب يجب أن يكون مغلقا أو مفتوحا، والأمر صحيح أو غير صحيح، ونحن على حق أو خطأ، وهذا ممكن أو مستحيل، وهذا يتماشى مع الموضة أو قديم، رغم أنه من الممكن إيجاد تشكيلات أخرى، لأن الواقع أشد غنى من تقسيماتنا الفقيرة البسيطة، ومن الأدراج التي نحاول أن نغلقها عليه، ربما لأن تحركه وتنوعه وحيويته المتجددة تزعزع ثقتنا وتخيف ميولنا للتكرار والراحة، فنفضل من أجل طمأنينتنا أن نغلق على جميع الأشياء في عبوات صغيرة تحمل عناوين ثابتة، فنطبق مبدأ التقسيم المبني على «أو»، و«إما»، ونلعب لعبة الصواب والخطأ المطلق، وهي لعبة مأساوية تضخم كل ما يفرقنا عوضا عن تقديم كل ما يجمعنا، وسوف نرى مقدار العنف، الذي نرتكبه بحقنا والآخرين حين ندع أنفسنا فريسة لهذا الفخ، فلماذا لا نسعى في تواصلنا لزرع الاحترام والمعاملة بالحسنى المتبادلة، والمساهمة في خلق علاقات إنسانية واعية أكثر حرية وتحملا للمسؤولين.
@LamaAlghalayini
@LamaAlghalayini