غنية الغافري

في إحدى مكالماتي مع جارتي التي جاورتها قبل أكثر من ١٥ عاماً، كنتُ أحدثها عن جولتي التي قررتُ أن تبدأ من الرياض مروراً بالمدينة المنورة، وانتهاءً بأداء العمرة، قاطعتني بحب لتقترح عليّ أن أدرج القصيم ضمن هذه الخطة؛ كونها تقع في الوسط، وكأن هذا العرض لامس شيئًا من هواي وعشقي، لاسيما أن العرض كان جاداً كما فهمته منها، وإلحاحها الذي لم يكن مجاملة كعادة العروض التي أتلقاها بين الحين والآخر، والسبب الآخر أني لا أعرف القصيم كأرض إلا من خلال أهلها الذين جاورونا سنين طوالا، فلم يكن فيهم لئيم ولا خبيث ولا حسود، حتى خُيّل لي من خلال تلك النماذج أن أهل القصيم ملائكة يمشون على الأرض!! لاسيما أن الحي الذي نشأنا فيه كان قصيميًا بامتياز على اختلاف مناطق القصيم، وفي العموم فقد كان تعريف القصيمي في قاموسنا هو كل من يؤتسأتس أي يقلب الكاف في كيف حالك إلى (إتس) حتى أن أمي رحمها الله وحتى آخر أيامها تذكر أيامها الجميلة مع صديقاتها القصيميات اللاتي أثبتن وفاءً منقطع النظير وعِشرة راقية لا يمكن أن تُنسى.

وتستشهد بهم حين يكون الحديث عن (جيران أول) وعن طيبتهم وتفردهم، فأورثتنا ذات المشاعر وذلك الحب، فهم الأهل والعزوة الذين لم تشعر رحمها الله بغربتها بينهم،

وحيث بلغ عرض زيارة القصيم مبلغه من خلال الرسائل المكتوبة والمسجلة والمكالمات الملحّة، مما لا يترك مجالاً للشك في أن تكون مجاملة عابرة، شددنا الرحال في طريق كل ما فيه جميل حتى اللافتات التي مررنا بها وضمّت أسماء المدن والمحافظات التي لم نعرفها إلا من خلال النشرة الجوية، كنا نستشعرها كفعالية تغافلت عنها خطتنا، أما برادات الماء المنتشرة بشكل لافت، فقد قرأها أحد أفراد رحلتنا بأن عمل الخير هو عنوان أهل القصيم، وكأننا ونحن نتأمل القصيم نتسابق لنقتنص شواهد الخير والإحسان والتدين الفطري!

وحقيقة كل من عرفت من أهلها هم كذلك، اخترنا أن نسكن في أحد الشاليهات لنستنشق هواءها العليل، ونتلمس نخيلها الناطقة بالعراقة والأصالة.

وفي الزيارة المرتقبة، كانت جارتي وأهلها في استقبالنا، لم يكن استقبالاً عاديا، بل كانت النفوس الطيبة والوجوه الباشة تسبق الكلمات، أحرجونا بكرم حاتمي في جلسة (ما فيها نفس ثقيلة).

خرجنا وقد زرنا أهل القصيم في دارهم لأول مرة، وكانوا كما عرفناهم وأكثر،

وكانت القصيم وستظل أرضاً عامرة بالخير والعطاء والتاريخ والعلم والأدب والراحة النفسية.

وهنيئاً لأهل القصيم بقصيمهم.. وهي القصيم، وما أدراك ما القصيم.

وصدق من قال فيها:

قل للرياح إذا هـبت غـواديها

حي القصيم وعانق كل من فيها

واكتب على أرضهم بالدمع ملحمة

مـن المـحـبة لا تـنسى ليـالـيهـا

@ghannia