فاطمة عبدالرحمن - الأحساء

خلاصة ما خلفته الأجيال السالفة من عادات وتقاليد وحكايات وسلوكيات

أكد مختصون أن المملكة غنية بالتراث الثقافي غير المادي، مشددين على ضرورة رصد وتسجيل كامل التراث غير المادي في جميع مناطق المملكة المتنوعة والمختلفة، ووصفوه بأنه الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات، وأن المملكة سجلت مجموعة من العناصر وهي: المجالس، القهوة العربية، العرضة النجدية، المزمار، الصقارة، القط العسيري، نخيل التمر، صناعة السدو، الخط العربي، أما العناصر المرشحة للتسجيل فهي معارف زراعة البن الخولاني وكسوة الكعبة وحياكة وتطريز البشت الحساوي وحداء الإبل.

منافذ الإبداع

أكد عميد كلية الآثار والسياحة في جامعة الملك سعود د. عبدالله بن محمد المنيف، أن الثقافة جزء أساسي من التحول الوطني الطموح الذي تسير عليه بلادنا، وأن وزارة الثقافة ووزيرها الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود وقبل ذلك ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -يحفظه الله-، أولوا جل اهتمامهم بالمشهد الثقافي في المملكة على الصعيدين المحلي والدولي، مع الحرص الكامل على الحفاظ على التراث التاريخي للمملكة بما يعكس حقيقة ماضينا العريق، ويسهم في سعينا نحو بناء مستقبل يعتز بالتراث ويفتح للعالم منافذ جديدة ومختلفة للإبداع والتعبير الثقافي، وأولت الوزارة التراث وصنوه التراث غير المادي كل اهتمام، كونه بديلا اقتصاديا مساعدا في تدفق الأموال من غير النفط.

وأشار إلى أن التراث غير المادي هو الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات، وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية، والتي تعدها الجماعات والمجموعات، وأحيانا الأفراد، جزءا من تراثهم الثقافي، وتابع: ترجع أهمية التراث الثقافي غير المادي في الحفاظ على التنوع والتراث الثقافي في عصرنا الحاضر، ففهم التراث الثقافي غير المادي السعودي يساعد في الحوار بين المجتمعات والتثاقف، ويشجع على تفهم ومعرفة طريقة عيش الغير، والمحافظة على التراث غير المادي حماية للهوية المحلية أمام غيرها من الثقافات، وبالتالي يدعم التنوع الثقافي للبشرية، ويتناول التراث غير المادي جملة من الأنواع تتمثل في المهرجانات التقليدية والتقاليد الشفهية والروايات، والعادات، والتقاليد وأساليب العيش، والحرف والصناعات التقليدية، وغير ذلك.

وشدد المنيف على ضرورة رصد وتسجيل كامل التراث غير المادي في جميع مناطق المملكة المتنوعة والمختلفة، ويكون هذا التسجيل وفق خطة علمية كتابية وصوتية، بحيث لا تغيب شاردة أو واردة من ذلك التراث الذي نفقده يوميا في ظل العولمة الثقافية.

وعن إمكانية نشره مجتمعيا، ذكر أنه لا بد من تشجيع المجتمع والحرفيين والهواة في نشر مثل هذا التراث والتشجيع عليه، ودفع القطاع الخاص إلى تشجيع فئات المجتمع والمهنيين وكل من يحب هذا النوع من التراث.

نمطية العولمة

أما مشرف لجنة التراث والفنون الشعبية بجمعية الثقافة والفنون بالأحساء يوسف الخميس، فأشار إلى أن الاهتمام المتزايد بالتراث ومحاولات إحيائه والمحافظة عليه إنما هو نتيجة طبيعية لزحف العولمة على الخصوصيات الثقافية للشعوب، وأضاف: نمطية العولمة تهدد التراثين المادي واللا مادي بالاندثار والتلاشي، والتراث بنوعيه المادي وغير المادي يشكل ثروة كبيرة من الآداب والقيم والعادات والتقاليد والمعارف الشعبية والثقافية المادية والفنون التشكيلية والموسيقية، ومن مفهوم آخر هو ما ينتقل من عادات وتقاليد وعلوم وآداب وفنون ونحوها من جيل إلى جيل، نقول: «التراث الإنساني، التراث الأدبي، التراث الشعبي».

وأوضح أن مبادرة إنشاء أول جمعية مهنية للتراث غير المادي دليل وعي على أهمية هذا التراث، وحرص على الاعتناء به وتجويده وجعله ضمن جهة اختصاص تعنى به، فالتراث غير المادي يشمل كل الفنون والمأثورات الشعبية من شعر وغناء وموسيقى ومعتقدات شعبية وقصص وحكايات وأمثال تجري على ألسنة العامة من الناس، وعادات الزواج والمناسبات المختلفة وما تتضمنه من طرق موروثة في الأداء والأشكال ومن ألوان الرقص والألعاب والمهارات، بمفهوم أبسط هو خلاصة ما خلفته الأجيال السالفة للأجيال الحالية.

مهارات الأجيال

وعن الفارق بين التراثين المادي واللا مادي قال أستاذ فلسفة اللغة العربية وآدابها المساعد بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن د. خالد الجريان: يمكن توضيح الفارق بين التراثين المادي والمعنوي من حيث التعريف من خلال الآتي: التراث المادي: هو القطع الأثرية المادية الملموسة التي أنتجت أو بنيت قديما، وتناقلتها الأجيال في المجتمع من خلال الاهتمام بها وصيانتها، والحفاظ عليها، بينما يمكن تعريف التراث المعنوي أو ما يعرف بالتراث غير المادي، على أنه التراث غير الملموس أو الشفوي المسموع الذي يشير إلى التقاليد، وبعض المهارات التي تنتقل عبر الأجيال، ويشمل مهارات صناعة الحرف، وأساليب الزراعة وتربية الماشية، ومهارات الملاحة التقليدية، والتقاليد الشفوية، الطبخ، والمعتقدات، والممارسات الثقافية، والقصص والحكايات التراثية المسموعة.

وأضاف: كما أن هناك فارقا بين طرق صون التراثين المادي والمعنوي، فالمعنوي يمكن صونه عن طريق نشر الأبحاث والدراسات التي تخص كل ما يتعلق بالتراث المادي على المستويين المحلي والإقليمي، وبذل كافة الجهود التي تضمن حماية وحفظ التراث المادي، وذلك بترميم المناطق الأثرية وإصلاح الأجزاء التالفة وفقا للمعايير الدولية، وإزالة أي إضافات وضعت حديثا قد تشوهها، وتوفير الدعمين التقني والمالي لذلك.

وتابع: تحسين عمليات الوصول إلى الأماكن التراثية وإدراج لوحات توضيحية، تمكن الزوار من فهم طبيعة هذه المباني والمناطق، وفهم دورها الثقافي والتاريخي في البلد ذاته وفي العالم أجمع، وحفظ القطع التاريخية والتعمق في دراستها من خلال إنشاء قواعد بيانات ومخازن لها يعد من التقدم الحضاري والفكري والسلوكي، وتعد اتفاقية اليونسكو لحماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي لعام 2003 من أهم ما ورد في حماية وصون التراث المعنوي، إذ حثت كل دولة مشاركة بالاتفاقية على القيام بالتدابير الآتية لضمان صون التراث المعنوي، وتشجيع منهجيات البحث، والدراسات الفنية والعلمية والتقنية التي تهدف إلى حفظ التراث الثقافي غير المادي، وتيسير نقل هذا التراث من خلال الوسائل المناسبة للتعريف به وعرضه، واعتماد سياسة عامة تبرز دور التراث الثقافي غير المادي في المجتمع بشكل واضح، واعتماد التدابير القانونية والتقنية والإدارية والمالية المناسبة التي تضمن إنشاء مؤسسات مختصة لتوثيق وإدارة التراث الثقافي غير المادي، ولذلك فقد نقل لنا التراث المعنوي عادات وتقاليد وقصص وحكايات وسلوكيات الأجيال المتقدمة حتى وصلت إلينا.