د. مطيران النمس

استخدم الإنسان الرسوم منذ زمن بعيد، ولعل ما سجل قديماً على جدران المعابد والكهوف من رسومات ونقوش خير دليل على أهمية ودلالة الرسوم بالنسبة لمَن عاش في تلك الفترة الماضية، وبما أن الرسوم كانت هي اللغة التي يعبرون بها عن أفكارهم ومشاعرهم تجاه الأفراد، الذين يتعايشون معهم في مختلف نواحي الحياة، ووسيلة من وسائل التعبير عن الأحداث وعن كل ما يحدث في البيئة، وعن تحقيق الأهداف والأمنيات والرغبات، واجهت طفلاً قبل فترة يرسم رسوماً مختلفة، وعندما أمعنت النظر كثيراً فيها، وجدت أنه يجسد حالة التعامل التي كان يستخدمها بعض أفراد أسرته معه، بعض الرسومات تدل على كمية العنف والقسوة وسوء المعاملة، التي يستخدمها شقيقه الأكبر معه، وكيف كانت يداه مرفوعة فوق رأسه وكأنه يهم بضربه وهو يسير أمامه، وفي بعض الرسومات الأخرى كيف كان والده يعامله بلطف وحنان وعطف، ويضع يده على ظهره ويمسح على رأسه، تقول إحدى معلمات الفنية: طلبت من صفوف الابتدائية أن يرسموا منظر الربيع فجاءت تلميذة، وقد رسمت مصحفا فتعجبت من رسمتها فقلت: ارسمي الربيع وليس المصحف ألا تفهمين؟ وكانت إجابتها البريئة كصفعة على وجهي، قالت: القرآن ربيع قلبي هكذا علمتني أمي، هذه الطالبة قاعدة تجسد أنماطا سلوكية إيجابية تمارس أمامها وتحث عليها، وهذا ما يؤكده علم النفس الذي يعتبر رسوم الأطفال بمثابة اللغة المصورة، التي يعبر من خلالها الأطفال عن أنفسهم، وعما يحدث لهم ومن خلال رسوماتهم يعكسون بما يشعرون به تجاه ذاتهم، وكذلك عن علاقتهم مع البيئة، التي يعيشون فيها ومع الأفراد الذين يتعاملون معهم، إضافة إلى أن رسوم الأطفال تعكس ما يعاني منه الأطفال من مشكلات واضطرابات نفسية، أو مواقف فرح، وأن تلك الرسوم من الممكن يستفيد منها الأسر والأطباء المتخصصون في تشخيص حالات الأطفال ومعرفة مشكلاتهم، فالرسوم تعبير عن ذات وحديث عن فكر، وكذلك ترجمة لأفعال وأحاسيس ومشاعر، وفي أحيان كثيرة تساعد رسوم الأطفال الذين يفتقدون النطق ويعجزون عن ممارسة اللغة والحوار مع الآخرين، على التعبير عن حاجاتهم ورغباتهم ومعاناتهم، وكذلك تمكن الأخصائي النفسي من تلمس الخطوط العريضة لمعرفة مشكلات الطفل وحاجته النفسية، فالرسومات والألوان لها دور كبير في عملية الكشف عن الشخصيات والاحتياجات النفسية سواء عند الأطفال أو الكبار، لذلك يجب علينا نحن الآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات والمربين والمربيات وعقلاء التنشئة الاجتماعية، أن نحاسب أنفسنا على كل نمط سلوكي أدائي أو لغوي، نمارسه أمام سمع وبصر أبنائنا وبناتنا، وأن نحسن معاملتنا مع الأطفال، والابتعاد عن العنف والقسوة في التربية والتعليم، وفي مختلف تفاصيل الحياة، الأطفال يجسدون كل ما يحدث لديهم في مختلف الصور والرسومات، ومنها هذه الصور والرسوم لعدم قدرتهم على الحديث خوفاً من العقاب.

@alnems4411