في خبر تم تداوله هذا الأسبوع أدرجت منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، قرية رجال ألمع في قائمة أفضل القرى السياحية في العالم، وذلك خلال حفل رسمي على هامش انعقاد الجلسة العامة للمنظمة في مدينة مدريد بإسبانيا. وفي حقيقة الأمر فإن هذا ليس بمستغرب أبدا، بل إنه استحقاق طال انتظاره ليس من باب السعي إليه ولكن من باب إعطاء كل ذي حق حقه.
وعلى مقولة «الكتاب يقرأ من عنوانه» إنك والله لتحتار في حديثك عن رجال ألمع من أين تبدأ. هل تبدأ بعبقرية اللغة التي أغدقت على القرية اسمها. أم تبدأ بعبقرية المكان الذي يأسرك بمجرد اقترابك منه والنظر إليه، أم تبدأ بعبقرية الإنسان مع كل من تخالطه من أبناء القرية. لك ما شئت، إن شئت علما وإن شئت أدبا وإن شئت تجارة فقد برع أبناء رجال ألمع في كل هذه المنابر. ويكفيك من القرية اسمها. إذ نادرا ما تحظى قرية أو مدينة أو مكان باسم على هذه الدرجة من الرقي والإبداع. «الرجال» كلمة محملة بكل معاني الفخر، و«ألمع» مرادفة لعبقرية الذهن في أي مجال. هكذا اقترن القرينان في اسم نادرا ما يجود به الزمان.
الحديث عن الشيء قد يفسده أحيانا لقصور المتحدث عن موضوعه. فقط انظر إلى رجال ألمع. انظر إلى بيئتها، وانظر إلى محيطها المكاني. تبدو القرية وكأنها مجموعة حصون وقد هبطت من السماء. في رجال ليس هناك أفق. هناك جبال وسماء. هناك سحاب ومطر. في رجال لا تشعر بانتمائك للأرض. تشعر بانتمائك للسماء، وكأنك على اتصال جسدي وروحي بالسماوات. في رجال الشمس تشرق ضحى وتغرب عشية. كل هذا بفعل جبال وقد كستها الخضرة تصعد (بتشديد الصاد والعين) في السماء تحيط بك من كل جانب. في رجال تشعر وكأنك في عالم آخر ليس أرضيا. إنه عالم سماوي بكل حمولاته الرمزية والجمالية.
من حيث التصنيف التقليدي فإن رجال ألمع قرية غير أنها ليست ككل قرية. إنك تشعر وكأنها مدينة وقد اختزلت في قرية. وكأي مجتمع تقليدي يتعامل مع البيئة بما تجود به الطبيعة فقد بنى رجال حصونهم من حجارة جبالهم لتصعد بهم نحو السماء وهكذا كان. فقد سموا حجارة المرو الأبيض فوق نوافذ الحصون بالثريا. وما أن تصبح داخل هذه الحصون حتى ترافقك الجبال وقد نقشت في زوايا جدران غرفها في دلالة رمزية مباشرة على الارتباط الذهني بين البيئة والإنسان. داخل حصون القرية تتكشف العمارة عن فراغات وكأنها قد ألبست حللا من شتى صنوف الأقمشة التي تفد على سوق القرية من كل حدب وصوب، أكان ذلك نقشا، أم على السياع (سارية من شجر العرعر لحفظ البسط) الخاص بكل غرفة.
وفي الليل تحول أضواء الليزر حصون القرية إلى شاشات عرض عملاقة ازدانت بفنون النقش المحلي للقرية وللقط العسيري عموما في أجواء يبدو وكأنها من ألف ليلة وليلة. هكذا هو ليل رجال وهكذا هي سماؤها.
رجال ألمع مثال يحتذى في كل شيء، في ارتباط الإنسان بأرضه، في تقديره لمكانه، في معرفته بالإرث الحضاري الذي صنعه، في النظرة الثاقبة تجاه المكان وحمولته الثقافية، في المشاركة المجتمعية بين رجال القرية.
رجال ألمع ليست أكبر قرية في جنوب المملكة ناهيك عن المملكة ككل وليست بالأقرب وصولا وليست بالأكثر حظوة، بل إنها على النقيض من ذلك كله. ومع ذلك فإنها تتربع على عرش القرى التراثية في المملكة وها هي اليوم تراث إنساني عالمي. ليفخر أبناء رجال بقريتهم.
هكذا تبنى الأوطان. هكذا هم الرجال.
Hanih@iau.edu.sa
وعلى مقولة «الكتاب يقرأ من عنوانه» إنك والله لتحتار في حديثك عن رجال ألمع من أين تبدأ. هل تبدأ بعبقرية اللغة التي أغدقت على القرية اسمها. أم تبدأ بعبقرية المكان الذي يأسرك بمجرد اقترابك منه والنظر إليه، أم تبدأ بعبقرية الإنسان مع كل من تخالطه من أبناء القرية. لك ما شئت، إن شئت علما وإن شئت أدبا وإن شئت تجارة فقد برع أبناء رجال ألمع في كل هذه المنابر. ويكفيك من القرية اسمها. إذ نادرا ما تحظى قرية أو مدينة أو مكان باسم على هذه الدرجة من الرقي والإبداع. «الرجال» كلمة محملة بكل معاني الفخر، و«ألمع» مرادفة لعبقرية الذهن في أي مجال. هكذا اقترن القرينان في اسم نادرا ما يجود به الزمان.
الحديث عن الشيء قد يفسده أحيانا لقصور المتحدث عن موضوعه. فقط انظر إلى رجال ألمع. انظر إلى بيئتها، وانظر إلى محيطها المكاني. تبدو القرية وكأنها مجموعة حصون وقد هبطت من السماء. في رجال ليس هناك أفق. هناك جبال وسماء. هناك سحاب ومطر. في رجال لا تشعر بانتمائك للأرض. تشعر بانتمائك للسماء، وكأنك على اتصال جسدي وروحي بالسماوات. في رجال الشمس تشرق ضحى وتغرب عشية. كل هذا بفعل جبال وقد كستها الخضرة تصعد (بتشديد الصاد والعين) في السماء تحيط بك من كل جانب. في رجال تشعر وكأنك في عالم آخر ليس أرضيا. إنه عالم سماوي بكل حمولاته الرمزية والجمالية.
من حيث التصنيف التقليدي فإن رجال ألمع قرية غير أنها ليست ككل قرية. إنك تشعر وكأنها مدينة وقد اختزلت في قرية. وكأي مجتمع تقليدي يتعامل مع البيئة بما تجود به الطبيعة فقد بنى رجال حصونهم من حجارة جبالهم لتصعد بهم نحو السماء وهكذا كان. فقد سموا حجارة المرو الأبيض فوق نوافذ الحصون بالثريا. وما أن تصبح داخل هذه الحصون حتى ترافقك الجبال وقد نقشت في زوايا جدران غرفها في دلالة رمزية مباشرة على الارتباط الذهني بين البيئة والإنسان. داخل حصون القرية تتكشف العمارة عن فراغات وكأنها قد ألبست حللا من شتى صنوف الأقمشة التي تفد على سوق القرية من كل حدب وصوب، أكان ذلك نقشا، أم على السياع (سارية من شجر العرعر لحفظ البسط) الخاص بكل غرفة.
وفي الليل تحول أضواء الليزر حصون القرية إلى شاشات عرض عملاقة ازدانت بفنون النقش المحلي للقرية وللقط العسيري عموما في أجواء يبدو وكأنها من ألف ليلة وليلة. هكذا هو ليل رجال وهكذا هي سماؤها.
رجال ألمع مثال يحتذى في كل شيء، في ارتباط الإنسان بأرضه، في تقديره لمكانه، في معرفته بالإرث الحضاري الذي صنعه، في النظرة الثاقبة تجاه المكان وحمولته الثقافية، في المشاركة المجتمعية بين رجال القرية.
رجال ألمع ليست أكبر قرية في جنوب المملكة ناهيك عن المملكة ككل وليست بالأقرب وصولا وليست بالأكثر حظوة، بل إنها على النقيض من ذلك كله. ومع ذلك فإنها تتربع على عرش القرى التراثية في المملكة وها هي اليوم تراث إنساني عالمي. ليفخر أبناء رجال بقريتهم.
هكذا تبنى الأوطان. هكذا هم الرجال.
Hanih@iau.edu.sa