د. أحمد الألمعي

لماذا يتبادر لأذهان بعض الناس عند ذكر مصطلح الحضارة أن المقصود هنا التحرر والليبرالية؟ لماذا يعتقد البعض أن كلمة حضارة مصطلح خطير يجب التحذير منه؟ وأن ذلك يقود إلى التحرر من الدين والعادات؟ هل نسي أفراد مجتمعنا تاريخ حضارتنا الإسلامية، وكيف كانت الدول الإسلامية الشعاع، الذي أضاء العالم بالثقافة والعلم والآداب والمثل العليا في السلوك، بينما كانت كثير من دول العالم ترزح تحت وطأة الحروب والتخلف والرجعية؟ هل نسي العرب والمسلمون، الذين نشروا كل تلك المثل العليا تاريخ أمتنا؟ هل تقهقرنا وتراجعنا إلى درجة نسيان تاريخنا الثري بالحضارة؟

ولفهم هذا المصطلح، تتكون الحضارة من أربعة عناصر مهمة، الموارد الاقتصادية، النظم السياسية، التقاليد الخُلقية والعلوم والفنون. وتبدأ الحضارة حين تنتهي الاضطرابات والقلق، ويؤدي ذلك إلى تحرر الإنسان وتحفيز الإبداع والتقدم في طريق الازدهار.

الحضارة سلوك وثقافة، وتدعي الأمم الحضارة بسبب ما ذكرت، ولكن هناك كثيرا من السلوكيات الرفيعة، التي تدل على الحضارة مثل ما نشاهده من سلوك كثير من الأمم، التي تتحلى بالأدب في التعامل والرقي في سلوكها بالأماكن العامة واتباع النظم والقوانين.

هناك الكثير من مظاهر الرقي والحضارة في مجتمعاتنا، التي نفخر بها، وقد رأينا كثيرا من هذه الأمثلة أثناء جائحة الكورونا، مثل تلقي اللقاح، واتباع التعليمات بلبس الكمامة، وإظهار تطبيق «توكلنا» عند دخول المنشآت والأسواق، بينما رأينا بعض الأمم التي تدعي الحضارة ترفض اللقاحات وتقوم بالمظاهرات ضد القيود الصحية وقد رأينا النتيجة، فأعداد المصابين في المملكة بفضل الله لا تتجاوز الخمسين شخصا، ونظامنا الصحي في أفضل حال، والنتيجة هي رفع الكثير من القيود الصحية والسماح بتنظيم الاحتفالات والمواسم الرياضية والفنية وتخفيف قيود السفر مما كان له الأثر النفسي الإيجابي الكبير على الجميع، بينما لا تزال كثير من الأمم المسماة «بالمتحضرة» تعاني من فشل أنظمتها الصحية وأعداد إصابات فلكية.

ولكن هناك أيضا الكثير من السلوكيات في مجتمعنا، التي لا يوجد لها أي تسمية غير الهمجية والتخلف، مثل ما نراه من سلوك الشباب على الطرق بأسلوب القيادة المتهور والتعدي على كل مَن يتجرأ بإبداء عدم الرضا بالسب والتهديد ونشر الرعب في الطرقات، واستهداف السيدات تحديداً على الطرق، وقد يتبع ذلك شجار على جانب الطريق بما تصل إليه الأيدي من أسلحة تسبب إصابات وربما وفيات وندم لبقية العمر، وهناك رمي الفضلات في الأماكن العامة وتلويث البيئة، وأذكر هنا كيف تحول منظر الممشى في المنطقة، التي أسكن بها إلى منظر مقزز بدل أن يكون حديقة بمنظر جميل تسر له العين، فبعض الإخوة والأخوات هداهم الله يتركون فضلات الطعام في الممشى لإطعام القطط والحيوانات الضالة «ليكسبوا الأجر»، والنتيجة أن الممشى أصبح مكبا للقمامة تتجمع عليه الحشرات ويسبب الروائح الكريهة ويزيد من خطورة انتشار الأمراض والأوبئة، فأين الأجر في هذا السلوك، فقد تسبب ذلك في الأذى لجميع سكان الحي وأصبحوا يتجنبون الذهاب للممشى بسبب تلك المناظر السيئة. وهناك مَن يرفض أخذ دورة في انتظار أي خدمة وفي الأماكن العامة، ونرى النتيجة فوضى ثم شجارا وما يتبعها.

اتباع النظم والقوانين هو سلوك حضاري، ونحتاج إلى الوعي في مجتمعاتنا لتعم مظاهر السلوك الحضاري، وهو واجب كل والد ووالدة. وهذا الوعي يبدأ من المنزل، ويجب أن نزرع هذا الدافع الداخلي للسلوك الحضاري في أبنائنا وبناتنا منذ نعومة أظافرهم. غالبية شبابنا وبناتنا يتحلون بالخلق والسلوك الحضاري، ولكن للأسف هناك قلة تمارس السلوك الهمجي وتطغى على المشهد في كثير من الأماكن وتعطي انطباعاً بأن هذه هي ثقافة مجتمعنا، وواجب كل فرد من المجتمع نشر السلوك الحضاري والتبليغ عن كل مَن يمارس السلوك الهمجي للجهات المختصة حتى لا تعطي هذه القلة غير المتحضرة انطباعا سلبيا عن مجتمعنا. هدى الله شبابنا وبناتنا ووفقنا وإياكم لكل خير.

@almaiahmad2