لمي الغلاييني

تجسد مهارة تأخير الإرضاء شكلا من الجدولة لألم الحياة وبهجتها، بطريقة تمدد من زمن البهجة عن طريق مواجهة الألم واختباره أولا، والانتهاء من المهام التي تسببه، وتعد من أهم أدوات الانضباط الناجح للحياة، ويتعرف الأطفال على هذه الأداة في وقت مبكر جدا من الحياة، بما يعادل سن الخامسة في بعض الأحيان، فقط يقترح طفل على رفيقه وهما يلعبان بأن يبدأ الآخر أولا، كي يستمتع الطفل بدوره لاحقا، وقد يبدأ بعضهم بأكل الجاتوه أولاً، ويتركون طبقة الزينة للتلذذ بها في النهاية، ويمتلك بعض الأطفال هذه القدرة المبكرة على تأخير الإرضاء من بداية بلوغهم المرحلة الابتدائية، بحيث إنهم يمكنهم الجلوس لحل واجباتهم وإكمال دروسهم من دون أي حث من الوالدين أو مراقبة للتأكد من إكمال واجباتهم قبل مشاهدة التليفزيون، لكن عددا كبيرا من المراهقين لا يتمكن من بلوغ ذلك المعيار ويفتقر تماما لامتلاك هذه القدرة، وهؤلاء يعدون مشكلة لأهاليهم، إذ تكون درجاتهم الدراسية متدنية على الرغم من ذكائهم المتوسط أو ما يفوقه، فهم يحجمون عن حضور الدروس، أو حتى القدوم للمدرسة بصورة يومية، اتباعا لأهوائهم الآنية، ويتسمون بالاندفاع الذي يؤثر بسلبية في حياتهم الاجتماعية، وينخرطون في شجارات متكررة ومشكلات مع محيطهم، ويكون اندفاعهم حادا في غالب الأحيان، وكأن شعارهم (اعبث الآن وواجه الأمر لاحقا)، وحين يطلب ذووهم العون والمساعدة من المختصين، فإن أولئك المراهقين يقاومون محاولة التدخل ويكون امتعاضهم شديدا، ويرفضون الذهاب للمعالج بالمواعيد المحددة أو الالتزام بالخطة العلاجية، ولذلك تفشل محاولات التدخل، مما يجعلهم يواصلون اتباع نمط الفشل في حياتهم، ويبقى السؤال؛ لم يحدث هذا؟، لماذا يطور الغالبية القدرة على تأخير الإرضاء في حين تفشل أقلية ليست بالضئيلة في تطوير هذه القدرة، ويبدو أنه لا توجد إجابة علمية دقيقة لهذا، لكن معظم الإشارات تشير بوضوح إلى نوعية الأبوة بوصفها العامل المحدد، ولا يتمحور الأمر حول افتقار بيوت أولئك الأطفال غير المنضبطين ذاتيا إلى التأديب الأبوي، إذا كانوا يعاقبون في طفولتهم، وقد يضربون أو يوبخون، لكن هذا التأديب بدون مغزى لأنه غير منضبط، ويتمثل سبب فشل هذا الأسلوب في كون الوالدين أنفسهم غير منضبطين ذاتيا، مما يجعلهم يجسدون صورة غير منضبطة لأطفالهم، باتباعهم إستراتيجية: افعل ما أقوله لك لا ما أفعله أمامك، فهم لا يمتنعون عن التشاجر مع بعضهم أمام أطفالهم، بصورة تفتقر إلى الضوابط والعقلانية، كما تتسم حياتهم في أحيان كثيرة بالاضطراب والفوضى، فإذا كان الوالد يضرب الأم أمام الأطفال، فكيف سيكون الأمر منطقيا حين يُطلب منه التحكم في غضبه وألا يضرب أخته؟، ولأننا لا نملك المحاكمة العادلة في الصغر، فإن آباءنا وأمهاتنا سيجسدون الأسلوب الأمثل للتصرفات في نظرنا، والطريقة الأجدر بالاتباع، فإذا رأى الطفل يوما بعد يوم بأن والديه يتصرفان بطريقة منضبطة، متسمة بالعزيمة والإدارة الحكيمة للذات، فإنه سينحو في صميمه للشعور بأن تلك تمثل طريقة العيش الفضلى، أما إذا رآهما يعيشان من دون تقييد أو ضبط الذات، فسيتبرمج بصورة مماثلة لامتثال ذلك الأسلوب، لذا فلنعمل على غرس السبل الكفيلة بامتلاك الصحة النفسية والروحية في أنفسنا وأطفالنا.

@LamaAlghalayini