محمد حمد الصويغ

أفكار وخواطر

أكاد أزعم أن تقويض الشعر بدأ لأول مرة مع «زينب» الرواية الأولى ليس في أرض الكنانة وحدها بل في عالمنا العربي كله، فقد ظهرت هذه الرواية على «استحياء» حتى أن صاحبها محمد حسين هيكل لم يصدرها باسمه وإنما بقلم «فلاح مصري»، واستحى صاحبها أن يسميها رواية، وإنما قال إنها «مناظر وأخلاق ريفية»، وأسباب ذلك عديدة، لعل أهمها، كما أرى، أن كتابة الرواية وامتهانها في زمن هيكل وهو الزمن الذي ولدت فيه الرواية العربية لأول مرة بمولد «المناظر والأخلاق الريفية» كان «عيبًا» من العيوب الأدبية وخروجًا عن المألوف، أضف إلى ذلك أن هيكل خشي أن يسمى «روائيا» في ذلك العهد، لأن هذه التسمية قد تؤثر بشكل سلبي على مكانته الاجتماعية المرموقة، فهو محام شهير وينتمي إلى أسرة فاضلة «محافظة»، كما أن له مكانة سياسية مرموقة أيضًا، فهو أحد الأعضاء المؤسسين لحزب الأمة.

هي نظرة لا تجيء من فراغ، فكُتّاب الرواية كانوا قرناء «المشخصاتية» أي أن الرواية في عصر هيكل كانت مرتبطة بالفن المسرحي، وهو فن لم يكن أصحابه يتمتعون «بسمعة جيدة» وقتذاك، ولهذا أقول إن المكانة الشعرية في ذلك الوقت، وفي ذلك المجتمع بالذات، وغيره من المجتمعات العربية، كانت مرتبطة بشكل عضوي بمكانة الشعراء في تلك المجتمعات، مدعومة بطبيعة الحال بالمكانة العظيمة التي يمثلها الشعر في التراث العربي إجمالا، فرب السيف والقلم، كما كان يلقب الشاعر محمود سامي البارودي، كان وزيرا للحربية ورئيسًا لمجلس الوزراء وزعيمًا بارزًا من زعماء حزب الأمة، والشاعرة المحلقة عائشة التيمورية هي ابنة إسماعيل تيمور باشا وزير الخارجية في حكومة الخديوي، وزوجها هو محمد توفيق زاده وزير المالية، أما أحمد شوقي «أمير الشعراء» فقد وُلد في قصر الخديوي إسماعيل، وتعهّد الخديوي توفيق بتربيته ورعايته، وأضحى «شاعر الأمير» في عهد الخديوي عباس الثاني.

mhsuwaigh98@hotmail.com