د ب أ - واشنطن

ما يحدث يزيد من شعبية بوتين مع تنامي المشاعر المعادية للغرب

قد تكون روسيا وأوكرانيا على شفا حرب، وهو الأمر الذي قد يصل، في أسوأ السيناريوهات، إلى أبعاد غير مسبوقة بأوروبا خلال فترة ما بعد الحرب، وتعد روسيا وأوكرانيا من الناحية الإقليمية، أكبر دولتين أوروبيتين، كما أن كليهما من القوى العسكرية ذات الوزن الثقيل.

ويقول الخبير السياسي الألماني أندرياس أوملاند، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال انتريست» الأمريكية: إن القوات المسلحة الروسية التقليدية، تتجاوز -بطبيعة الحال- القوات المسلحة الأوكرانية بكثير، من حيث الكم والكيف، كما تعد روسيا قوة عظمى نووية، في حين أن أوكرانيا هي دولة لا تمتلك أسلحة نووية، ويُحظر عليها امتلاك أي رؤوس حربية ذرية بموجب «معاهدة منع الانتشار النووي».

ومع ذلك، فقد أسست أوكرانيا على مدار الأعوام السبعة الماضية، جيشا تقليديا هائلا ومحنكا، بحسب ما يوضحه أوملاند، المحلل في «مركز ستوكهولم لدراسات أوروبا الشرقية» بالمعهد السويدي للشؤون الدولية.

تقنية عالية

وتعد القوات الأوكرانية مجهزة جزئيا، بأسلحة حديثة ذات تقنية عالية تم صنعها في أوكرانيا وخارجها، كما أن أوكرانيا سيتم دعمها بالمزيد من الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية الغربية، في حال واجهت أي تصعيد من الجانب الروسي. وبالتالي، فإنه من غير الواضح ما إذا كان من الممكن لروسيا أن تحقق النصر على أوكرانيا سريعا وبسهولة، مثلما فعلت مع جورجيا في الحرب الروسية الجورجية التي استمرت لمدة خمسة أيام في أغسطس من عام 2008.

وبالإضافة إلى ذلك، يقول أوملاند: إنه من غير الواضح كيف سيكون رد فعل المواطنين في الغرب وفي روسيا، على اندلاع حرب روسية أوكرانية. وتشير التجارب السابقة إلى أنه لا يمكن الاعتماد على ردود الفعل الخارجية السلبية، ولا على سلمية المواطنين الروس العاديين، بوصفها عوامل مقيدة، فقد كان احتلال روسيا لخُمس مساحة جورجيا في عام 2008، وضمها لشبه جزيرة القرم في عام 2014، أمرا حظي بشعبية بين الشعب الروسي، وقد أدت هذه الأفعال إلى زيادة دعم نظام الرئيس فلاديمير بوتين، والمشاعر المعادية للغرب.

ويرى أوملاند أن الأسوأ من ذلك، هو أن ردود الفعل الغربية على توسعات روسيا الجنوبية، مقيدة، ولم يتم فرض أي عقوبات ذات تأثير كبير على موسكو في عام 2008 ومن الغريب أن العلاقات بين روسيا والغرب قد تحسنت بعد الحرب الروسية الجورجية والاحتلال، وفي عام 2014، فرض الغرب في البداية عقوبات طفيفة على روسيا بسبب ضمها شبه جزيرة القرم، وتدخلها بصورة سرية في شؤون دونباس، إلا أن الآثار المحدودة التي نتجت عن ذلك آنذاك، شجعت الكرملين على تصعيد الوضع بصورة أكبر.

عقوبات أوروبية

وقد فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات قطاعية معتدلة إلى حد ما على موسكو في صيف عام 2014، ولكنها كانت بمثابة رد واضح على مقتل أكثر من 200 شخص من مواطني الاتحاد الأوروبي على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الماليزية في 17 من يوليو في عام 2014، عندما قامت وحدة تابعة للجيش الروسي بإسقاطها فوق شرق أوكرانيا.

ويتساءل أوملاند قائلا: «إذن، ماذا يمكن أن تفعل أوكرانيا في ضوء الدروس المخيفة التي قد تكون موسكو تعلمتها من مغامراتها في عامي 2008 و2014؟»، ويضيف إن العوامل الرئيسية التي حددت السلوك الروسي السابق وستحدد سلوك موسكو في المستقبل، هي التكاليف النسبية للتصعيد العسكري، وتقييم المواطنين الروس لتلك التكاليف، ورأى الكثير من الروس في ذلك الوقت، وما زالوا يعتبرون حتى الآن، أن الخسائر المادية والبشرية الناتجة عن مغامرات عامي 2008 و2014، مسموح بها.

وقد كانت تكاليف عملية موسكو في جورجيا، وما زالت، منخفضة من الناحية الموضوعية، بحسب أوملاند، أما في حالة أوكرانيا، فيرى المواطنون الروس أن التكلفة الإجمالية النسبية محتملة، وقد كان استيلاء بوتين السريع على شبه جزيرة القرم انتصارا وطنيا، لذلك، يستمر الكثير من الروس في تحمل حالة الركود الاجتماعي الاقتصادي المستمرة في روسيا، التي نتجت عن نظام العقوبات الغربية الذي بدأ في عام 2014، وذلك إلى جانب عوامل أخرى.

وهكذا، فإن سلوك الكرملين يعد منطقيا - إلى حد ما - خلال الأحداث التي وقعت في عامي 2008 و2014، وقد زادت الاعتداءات التوسعية من الدعم الشعبي لنظام بوتين وخفضت الدعم للغرب، وفي الوقت نفسه، كانت التكاليف السياسية والمالية لنظام بوتين محدودة، بحسب أوملاند.