غنية الغافري

كنت في زيارة لأحد الجيران، الذين لا نلتقيهم إلا في فترات متباعدة، وفي كل مرة أحرص على السلام على أبنائهم وأستمتع بشكلهم، الذي يتغير في كل مرة، وتبدو على ملامحهم علامات السنوات وهي تجرهم نحوها! وفي زيارتي الأخيرة، سألت عن ابنة المستضيفة ذات السبع سنوات فأخبرتنا أنها في الغرفة المجاورة «المقلط» مع إخوانها الصغار يشاهدون قناتهم المفضلة، استئذنا من صاحبة البيت في أن نفاجئ ابنتنا ونغمض عينيها في حركة الطيبين الشهيرة ثم نقول: مَن أنا؟؟ لكن ما إن دخلنا عليهم حتى تباينت ردات فعلنا من هول المشهد، الذي صادفنا في القناة المخصصة «للأطفال»! فأبطال الكرتون بلباس فاتن في وضع مشبوه! التفتت علينا وقد شاهدت الاستنكار على وجوهنا فضحكت وقالت: عادي «يحبون بعض» بمعنى أن الحب يبرر أي وسيلة ويحلل أي فعل! ثم أردفت بصيغة الطرد: يا خالة روحو مجلسكم هذا ما يصلح لكم؟ ولا أعلم هل تعني أننا فضلاء على تلك المشاهد أم أننا دقة قديمة لم نواكب «التطور»! وأن هذا المشهد يصلح لها باعتبارها «الفاهمة» اللي «مِدَرّكَه الوضع» ويبدو أن لديها مناعة من ردات الفعل ورفض لأي لقاح يعيد لها براءتها! خرجنا واكتفينا بفغر أفواهنا وأصبحنا نحن الأطفال بحضرتها وهي السيدة الوقورة، التي يجب أن تحترم!! سرحت بي ذاكرتي لطفولتنا الجميلة وتذكرتُ «سالي» بفستانها الجميل وقبعتها الأنيقة وهايدي مع جدها وفلونة وكيف كنا فضليات ممتلئات بالأخلاق ينقلنها لنا دون شعور ثم طافت بخاطري أمي وهي تغمز لنا بمغادرة مجلس النساء بخاصة حين يتغامزن بينهن بحديث خاص لا يُسمح للصغار باستماعه، ورحمتُ أطفال هذا الجيل الذين فقدوا طفولتهم بتلك المشاهد الممتلئة بالسعار اللاأخلاقي، الذي لا يحتاجونه ولا إلى ثقافته في هذه السن المبكرة، ولعل جيل الطيبين الذي ننتمي له - وأحمد الله على هذا اللقب اللطيف الذي أهدونا إياه ـ بارك الله فيهم ونفع بعلمهم! لم يكن له فضل فيه في طيبته وحيائه وسمو أخلاقه وبراءته، فكل ما حوله يدعوه لذلك الإعلام بما فيه من الأفلام والمسلسلات وبرامج الأطفال والجيران والمدرسة والأصحاب والمشاهير والقدوات فلا يشذ عن هذه القاعدة ويخرج عن نطاق الطيبين إلا«نفر يسير» حتى الخارجين عن نطاق المألوف هم فضلاء مقارنة بالخارجين اليوم.

وبالرغم من أننا جيل الطيبين طيبون فعلاً إلا أنني أطالب بمسمى «جيل الشريرين!» لأطفال هذا الجيل لأنهم أفقدونا كآباء صلاحياتنا وجردوننا من مميزاتنا وأرضخونا بقوة الشر، التي يحملونها.. فيا أيها الشريرون رفقاً بنا فقد أصبحنا أسرى لديكم! وهمسة في أذن ابنة جارتي التي خوفتني: أُحبك!

قفلة:

إني لتطربني الخلالُ كريمةً

طرب الغريب بأوبةٍ وتلاقِ

ويهزني ذكر المروءة والندى

بين الشمائل هزة المشتاق

فإذا رُزقت خليقة محمودةً

فقد اصطفاك مُقَسّم الأرزاق

@ghannia