قلما يتحدث الإنسان عن تجربته الشعرية وحتى لو كان صاحبها هاويا. والشاعر أيا كان راوييه يحبط عند عدم الاهتمام بما يسرد أو يكتب ويفرح وكأنها هدية قيمة عند سماع أي إطراء. والشاعر ليس له إلا جنيته فتأتيه حالة من حيث لا يعلم فيسمع الكلمات بأذنه وينشدها أو يكتبها. فيتعجب منها بعد تدوينها كما يتعجب السامع لها. لكن من أي واد يأتي الشعر وتلك الكلمات وما جنس تلك الجنية أو حتى الجنيات وما أوصافهم.
يوم كان عمري نحو اثني عشر عاما ريثما كنت في المتوسطة رأيت فيما رأيت وكأنه الحلم سيدة تلبس ملابس تراثية وعليها ما يسمى المسفع وكأنها من إحدى فرق الغناء الشعبية مرت وأنا أقرأ كتابا ولست ذاكرا لكم أين فسأبقيه سرا. فرفعت رأسي وشاهدتها بعد أن مرت بجانبي إلا أنها صعدت لدرج المنزل. وفيما تذكرت بعد أن ذهبت أنه لا شيء بعد الدرج وما هي المناسبة؟ هل هناك شيء بالسطح يستدعي الذهاب له؟. فصعدت الدرج ولم أر شيئا بسطح المكان وكأنه الحلم ما رأيت، إلا أن أدركت في عمر مبكر أن «الجنة» موجودة وأنا شاهد حال.
وأعود للوراء قليلا قبلها بسنوات أثناء ما كنت في الخامس الابتدائي أن بدا لي بيت كتبته ما زلت أذكره إلا أنني لا أعلم من أين أتى أقول فيه: إني أبكي والمطر ينهمر، قلت فما نفع البكاء إن كثر. كما أذكر مدرسنا ومديرنا الفاضل الأستاذ عبدالله أبونهية اختارني مع زملاء لمناظرة شعرية في مسرح المدرسة وكانت طريقتها أن نبدأ بحرف بيت من الشعر حيث ينتهي حرف بيت الطرف الآخر. وكنت قد حفظت أبياتا عديدة للمناسبة وكنا أعددنا للمسابقة بيتا ليس له قافية إلا حركة «نفس» للإعجاز، إلا أنه برهبة المسرح تبخر كل شيء وما تبقى هو ذاك البيت الذي كنت فيه أبكي ولا أبكي.
وقد كبرنا وتطورت تلك الموهبة إلا أنني ما زلت لا أعرف من بيوت الشعر واحدة منها رغم محاولتي شراء عدد من الكتب لأتعلم. وتمنيت وأنا بالثانوية العامة أن يكون تدريس بحور الشعر أو عنها من المنهج لصقل تلك الموهبة. وحتى أنني في مناسبتين عائليتين بعد الفترة الجامعية سألت أحد عمداء الأسرة والذي له باع بالشعر عن عجزي لتمام الأوزان وذكر لي عددا من الأمور المساعدة ونصحني بالإضافة بتجربة شعر النثر بدل المقفى شارحا طرقه وكتابه والتي استفدت منها كثيرا. وقد ذكر في مقابلة له عندما سئل إن كان أحد أفراد الأسرة غيره يكتب الشعر في تلك الفترة فتوقف ثم استطرد قائلا لا وهو محق. إلا أنني عندما شاهدتها على اليوتيوب بعدها بسنوات طوال ورحيله وكأنه عند توقفه تذكرني أو ربما غيري من أفراد الأسرة لكن هذا ما بدا لي.
وما زلت لا أعلم من أين تأتي الكلمات وتلك الأبيات وأوزانها فإن سألني سائل أتذكر تلك القصة القديمة مع الجنية وأقول إن لي جنية سمراء تلبس دراعة وملفع، تمر علي كل حين. وأضيف أن أكثر قدومها بفصل الشتاء حتى لا يقال لم نسمع منك من فترة. إلا أنني وبعد كل تلك السنين أدركت أنه العقل الباطن ما أسمع وما كل تلك الكتب التي قرأتها وأنا في المرحلة المتوسطة من الشعر الجاهلي والأموي والعباسي ما زالت مخزنة بالذاكرة مع مفرداتها. إلا أن مخزونها يظهر من حيث لا أعلم حين أريد الكتابة. ومثال ذلك أن آتي بكلمة لا أعلم معناها عند كتابة الأبيات ثم أبحث عنها في قواميس اللغة لأجد أنها صحيحة من حيث وضعتها في البيت ومطابقة للمعنى بشكل بلاغي جميل.
الشعر هو موهبة وليس صناعة يتعلمها الإنسان، مستودعها العقل وهي مكتبته المخزن فيها ما قرأ وسمع من كتب أدب وأبيات شعر يخرج من أرففه تلك المطويات كلما أراد أحدنا الكتابة بالشعر. وهي جنيتنا التي نستمد منها طاقتنا لنأتي بالجميل والبديع ليأنس به الإنسان وبحكمه وقصصه بكافة فنونه وأساليبه.
@SaudAlgosaibi
يوم كان عمري نحو اثني عشر عاما ريثما كنت في المتوسطة رأيت فيما رأيت وكأنه الحلم سيدة تلبس ملابس تراثية وعليها ما يسمى المسفع وكأنها من إحدى فرق الغناء الشعبية مرت وأنا أقرأ كتابا ولست ذاكرا لكم أين فسأبقيه سرا. فرفعت رأسي وشاهدتها بعد أن مرت بجانبي إلا أنها صعدت لدرج المنزل. وفيما تذكرت بعد أن ذهبت أنه لا شيء بعد الدرج وما هي المناسبة؟ هل هناك شيء بالسطح يستدعي الذهاب له؟. فصعدت الدرج ولم أر شيئا بسطح المكان وكأنه الحلم ما رأيت، إلا أن أدركت في عمر مبكر أن «الجنة» موجودة وأنا شاهد حال.
وأعود للوراء قليلا قبلها بسنوات أثناء ما كنت في الخامس الابتدائي أن بدا لي بيت كتبته ما زلت أذكره إلا أنني لا أعلم من أين أتى أقول فيه: إني أبكي والمطر ينهمر، قلت فما نفع البكاء إن كثر. كما أذكر مدرسنا ومديرنا الفاضل الأستاذ عبدالله أبونهية اختارني مع زملاء لمناظرة شعرية في مسرح المدرسة وكانت طريقتها أن نبدأ بحرف بيت من الشعر حيث ينتهي حرف بيت الطرف الآخر. وكنت قد حفظت أبياتا عديدة للمناسبة وكنا أعددنا للمسابقة بيتا ليس له قافية إلا حركة «نفس» للإعجاز، إلا أنه برهبة المسرح تبخر كل شيء وما تبقى هو ذاك البيت الذي كنت فيه أبكي ولا أبكي.
وقد كبرنا وتطورت تلك الموهبة إلا أنني ما زلت لا أعرف من بيوت الشعر واحدة منها رغم محاولتي شراء عدد من الكتب لأتعلم. وتمنيت وأنا بالثانوية العامة أن يكون تدريس بحور الشعر أو عنها من المنهج لصقل تلك الموهبة. وحتى أنني في مناسبتين عائليتين بعد الفترة الجامعية سألت أحد عمداء الأسرة والذي له باع بالشعر عن عجزي لتمام الأوزان وذكر لي عددا من الأمور المساعدة ونصحني بالإضافة بتجربة شعر النثر بدل المقفى شارحا طرقه وكتابه والتي استفدت منها كثيرا. وقد ذكر في مقابلة له عندما سئل إن كان أحد أفراد الأسرة غيره يكتب الشعر في تلك الفترة فتوقف ثم استطرد قائلا لا وهو محق. إلا أنني عندما شاهدتها على اليوتيوب بعدها بسنوات طوال ورحيله وكأنه عند توقفه تذكرني أو ربما غيري من أفراد الأسرة لكن هذا ما بدا لي.
وما زلت لا أعلم من أين تأتي الكلمات وتلك الأبيات وأوزانها فإن سألني سائل أتذكر تلك القصة القديمة مع الجنية وأقول إن لي جنية سمراء تلبس دراعة وملفع، تمر علي كل حين. وأضيف أن أكثر قدومها بفصل الشتاء حتى لا يقال لم نسمع منك من فترة. إلا أنني وبعد كل تلك السنين أدركت أنه العقل الباطن ما أسمع وما كل تلك الكتب التي قرأتها وأنا في المرحلة المتوسطة من الشعر الجاهلي والأموي والعباسي ما زالت مخزنة بالذاكرة مع مفرداتها. إلا أن مخزونها يظهر من حيث لا أعلم حين أريد الكتابة. ومثال ذلك أن آتي بكلمة لا أعلم معناها عند كتابة الأبيات ثم أبحث عنها في قواميس اللغة لأجد أنها صحيحة من حيث وضعتها في البيت ومطابقة للمعنى بشكل بلاغي جميل.
الشعر هو موهبة وليس صناعة يتعلمها الإنسان، مستودعها العقل وهي مكتبته المخزن فيها ما قرأ وسمع من كتب أدب وأبيات شعر يخرج من أرففه تلك المطويات كلما أراد أحدنا الكتابة بالشعر. وهي جنيتنا التي نستمد منها طاقتنا لنأتي بالجميل والبديع ليأنس به الإنسان وبحكمه وقصصه بكافة فنونه وأساليبه.
@SaudAlgosaibi