د. شلاش الضبعان

في خضم الانفتاح الإعلامي والنعم التي نعيش في أفيائها والنقل المتواصل للجوانب المشرقة في الحياة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي قد يتذمر البعض من حياته، ويظن أنه هو الفقير الوحيد بينما الآخرون يلعبون بالفلوس لعب، ولا يمرض إلا هو أو يقوم على مريض بينما غيره في صحة دائمة وحبور مستمر، ولا يموت إلا من حوله حتى يظن أنه في ابتلاءات لا تتوقف!

فإذا رحل أحد المشاهير أو مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي أصيب بصدمة وبدأ في إعادة حساباته، ومع الأسف أنها مرحلة مؤقتة سرعان ما تنتهي ثم يعود لما كان عليه من حالة الانبهار بغيره.

يجب أن نعيد ترتيب علاقاتنا مع حياتنا الدنيا، وننظر إليها على أنها حياة قصيرة لا يطيلها إلا الإنجاز، ومرحلة استعداد لما بعدها، وهذا ما لم يخبر به حكيم بل أخبر به خالق عقول الحكماء جل جلاله «قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تُظلمون فتيلاً»، والحياة لا تخلو من المتاعب ولذلك قال الحق سبحانه «لقد خلقنا الإنسان في كبد» ولذلك لا سرور دائم، ولا نعيم مستمر، ولا صحة لا تنتهي، وقد قال أبو الحسن التهامي عندما فقد ولده:

حكم المنية في البرية جارِ ***** ما هذه الدنيا بدار قرارِ

بينا يرى الإنسان فيها مخبرا ***** حتى يُرى خبراً من الأخبار

طُبعتْ على كدر وأنت تريدها ***** صفواً من الأقذاء والأكدار

ومُكلّفُ الأيام ضد طباعها ***** مُتطلبٌ في الماء جذوة نار

وإذا رجوت المستحيل فإنما ***** تبني الرجاء على شفيرٍ هار

فالعيش نوم والمنية يقظة ***** والمرء بينهما خيالٌ سار

هذا لا يعني اليأس وثقافة الموت، بل يعني ثقافة حياة تقوم على تحويل الحياة القصيرة إلى حياة طويلة من خلال تخليد الاسم بالإنجاز والعطاء، والعيش بأخلاق الكبار من خلال البناء للدار الباقية، والتعامل الأمثل مع صعوبات الحياة وضغوطاتها.

أيضاً أتمنى من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي أن يأخذوا العبرة من الراحلين، ويتركوا ما يُدعى لهم بسببه، لا يرأف بحالهم وهم مرتهنون من أجله.

@shlash2020