تبدو عقولنا أحيانا أشبه بالمرايا، التي نراها في الملاهي، فهي تضخم أو تصغر أو تشوه مقدراتنا وإمكاناتنا، وتجعلها ضبابية مضطربة، وتمنحنا إدراكًا غير واقعي للعالم، فيه الكثير من شوائب سوء الفهم والتفسير، ومن الآراء وأشكال الاستجابات التلقائية الناتجة من البرمجة المسبقة، التي نتلقاها من عائلتنا أو من ثقافة مجتمعنا، ويصبح ذلك كله متراكما مثل رسوم ملقاة فوق مساحة كبيرة من الورق الشفاف، فيجعلنا نواجه صعوبات تزداد كلما ازدادت محاولاتنا لجعل الواقع متلائما مع تلك الرسوم، وكثيرا ما يحدث أن تكون الهوة بين «الحياة كما هي»، و«الحياة التي تشوهها أفكارنا» مثل الثقب الأسود، الذي يبتلع جهودنا ويستنزف طاقتنا النفسية، حيث يجعلنا نظن الأمور أسوأ أو أحسن، أصعب أو أسهل، مما هي عليه في واقع الأمر، وذلك نتيجة لجمهرة الخلفيات المغلوطة ونغمات الآراء المتنافرة والأحكام المسبقة، مما يجعل تلك الشكوك والوساوس تجذبك بعيدا عن مقدراتك، وتهيمن على يومك بدلا من الأفكار الإيجابية المحفزة لحياتك، وليس أمامك حينها ألا أن تقفز بقوة بعيدا عن ذلك فوهة الثقب، عن طريق الفعل لا عن طريق التفكير في الفعل، فالأفكار من غير أفعال تظل كما هي، وأفكارك السلبية عن نفسك أو الآخرين، أو عن ظروفك لن يكون لها أثر على نجاحك إذا أبقيتها حيث هي بدون فعل، فالامتناع عن الفعل يولد الشك والخوف، والإقدام عليه يولد الثقة والجرأة، فإذا أردت أن تقهر مخاوفك فلا تفكر فيها وأنت جالس في مقعدك، بل اخرج وواجهها، فعندما نختار الإقدام على الفعل بدلا من الإحجام نتجاوز بلبلة أفكارنا، ونبدأ في نسيان الأشياء التي تقلقنا، وإذا أردنا التعبير عن الأمر ببساطة فيمكننا القول إن الإقدام على الفعل لا يترك لنا وقتا للتفكير في أي شيء آخر، فمن الصعب أن تركز على مخاوفك الداخلية، وعلى الأسباب التي تجعلك مترددا أو محجما، عندما تكون منهمكا في إنجاز أمر من الأمور، والموضوع كله متعلق بقانون قوة الاندفاع، فعندما تبدأ التدحرج يصير الاستمرار في الحركة أكثر سهولة، فذلك الطريق الذي يبدو لك طويلا جدا ومرهقا للسير فيه، لا يلبث أن يغيب طوله عن عينك عندما تنطلق أولى خطواتك، فما عليك إلا أن تتابع السير، بأن تبدأ أولا بوضع المفتاح في السيارة وتشغيلها والبدء في السير بها، فالسيارة لن تأتي لانتظارك أمام الباب، رغم أن هذا ما يفعله أكثرنا، حيث ننتظر أن يصبح مزاجنا أكثر إيجابية ليكون قادرا على قيادتنا وتوجيه خطانا، لكننا نحن مَن نصنع ذلك المزاج بأن نضع يدينا على مقود السيارة ونضغط دواسة الوقود بقوة، فلا تنتظر أن يأتيك المزاج المناسب، ولا تبق جالسا في مكانك مترقبا وصول الحماس السحري، الذي سينجز الأمر بالإنابة عنك، ما عليك إلا أن تنحي أفكارك جانبا وأن تتحرك، وسيحاول عقلك دوما أن يكرر دعوتك إلى عدم الفعل، وسوف يذكرك بالعديد من الأشياء، التي يمكنك ممارستها بديلا عن ذلك الفعل، وسوف يستجمع كل ما لديه من شكوك وترددات، ولكن تجاوز كل ذلك وتحرك، فالأمر كله متعلق بالفعل، فاخرج وافعل ما تريد فعله، ودع أفكارك السلبية كلها تخرج معك في النزهة.
@LamaAlghalayini
@LamaAlghalayini