سعود القصيبي

يتحدث القرآن الكريم عن قصة موسى -عليه السلام- وعن مقامه في أرض مدين، وعن ثلاث قصص جاء بأولها قصة البئر، ثم قصة الوادي المقدس، ثم قصة عودته مع قومه إلى ذات المنطقة، إلا أنه يشوب القصة بعد ما هو منصوص الكثير من الخلط واللبس، وغالبه هو جمع أقاويل وإرهاصات ليس لها سند. يتبادر إلى الذهن منها قصة جبل اللوز تلك التي بدأت بحرب الخليج عندما ذهب هواة أجانب إلى مطلع جبل اللوز معتقدين بأنه جبل حوريب أو جبل الرب، الذي تكلم الله عز وجل فيه إلى موسى -عليه السلام- كما روي في كتاب العهد القديم، وكانوا مخطئين جدا وبعيدين كل البعد عن الحقيقة.

إلا أن تلك القصة من ذهابهم إلى هذا الجبل وما حصل لهم خلال الرحلة جعلتهم مشاهير أثرياء مؤلفين في بلدهم كتبا عن رحلتهم، التي شملت مقابلات تليفزيونية عديدة، إلا أن بأسباب تتابع التسلل لرؤية الموقع مما ذكروه من باحثي الشهرة والمال أمثالهم كل فترة، جعل البعض يصدق أنه ربما أن يكون ذلك حقيقة. فإما أن نمنعها أو لا نذكرها ولنعيش حياتنا كما كنا. إلا أننا لا نستطيع تكذيبها لأننا في الحقيقة لا نعلم، إلا أن هناك حملا علينا نحن مَن يهتم بالمنهج العلمي من أن ننفيها إن كانت غير صحيحة وهي كذلك.

تبدأ قصتهم كما ذكروها بكتابهم عن هروبهم من جيش بلادهم وذهابهم متسللين إلى منطقة تبوك قاصدين جبل اللوز. وجبل اللوز هو منطقة عسكرية بها منشآت تابعة لوزارة الدفاع. وبأدنى الجبل رأوا منطقة مسيجة تابعة للجهات المعنية بالآثار وجدوا فيها رسما لعجل فقالوا عنه أنه رسم لذاك العجل، الذي كان به خوار وعبدته بنو إسرائيل. ورأوا فلقا في صخرة وقالوا إنه هو ذاك المكان، الذي خرج منه الماء لبني إسرائيل بعد أن وضع عليها موسى -عليه السلام- عصاه. وانتبهت لهم الجهات الأمنية فتم القبض عليهم للتعدي على المنطقة الأثرية، لا سيما من تسللهم لأراض تابعة لوزارة الدفاع. كل تلك القصة جاءت في كتابهم إلا أن تلك القصة ألهمت غيرهم بعد نشرها فأتى مَن أتى من بعدهم سعيا وراء ذات الشهرة، التي حققها هؤلاء.

ولكي أفند قصتهم وباختصار بأنها بدأت من الاعتقاد بأن الجبل، الذي تحدث الله إلى موسى فيه هو أعلى جبل بمنطقة تبوك مما يجعله بتلك المنطقة من السلسلة الجبلية، التي نطلق عليها جغرافيا جبال السروات وهو اجتهاد خاطئ لأن اسمها بالتوراة غيره وبموقع آخر. وللاستشهاد فإن نص كتاب العهد القديم يذكر «جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران وأتى من ربوات القدس». وفاران في النص ليست «سعير»، التي تحدث الله لموسى فيها. وجاء في كتاب العهد القديم أيضا قوله عن إسماعيل عليه السلام: «سكن في برية فاران، وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر». ومكة هي في جبال السروات فلا يكون أبدا وبأي حال من الأحوال أن يكون أي جبل من جبال السروات مكانا لجبل موسى -عليه السلام-.

كما أن القصة تبدأ برؤية موسى -عليه السلام- مكانا مرتفعا به نار، حيث كان يرعى الغنم كما يذكر كتاب العهد القديم، ولا يتم رعي الغنم إلا بمنطقة مشمسة مسطحة لينبت العشب وقريبة من أحواض وآبار ماء لسقي الحيوانات. فلو كان بمنطقة جبلية لما كان بها واد يقصد لأن كلها ستكون أودية عند أحرف والتقاء تلك الجبال وبينها، ولما خص الوادي بالذكر. ونأتي على الاستنتاج الآخر من وجود رسومات صخرية لحيوانات ومنها رسم لكبش. وتلك الرسوم وأمثالها موجودة بكثرة وبأماكن كثيرة بدءا بصحراء النقب، وبأجزاء عديدة من الجزيرة العربية يخالجها غالبا الخط العربي الثمودي. كما أن قصة انشطار قمة أحد الجبال وخروج الماء منها لاثني عشر جدولا هي محض الخيال. فالقصة تتحدث عن اثني عشر عينا كما ذكر بالقرآن الكريم، وليس هو اثنا عشر جدول ماء.

وأحببت أن اختم كتابتي بالقول أن لا مجال أن يكون جبل اللوز مكانا لجبل حوريب أو جبل موسى ومن أن خاطبه الله فيه.

@SaudAlgosaibi