لم يكن يعرف في زمن أبي الطيب ما يسمى المشاهير، إلا صاحب شأن حقيقي، أو صاحب فضيحة، لأن (الشهرة الفضيحة) كما في: لسان العرب[4/431] (الشهرة: ظهور الشيء في شنعة حتى يشهره الناس) على خلاف ما نحن عليه من معناها اليوم.
كان لأبي الطيب طريقة عجيبة في التعامل مع التافهين، طالبي الشهرة الكاذبة، يبدؤها باحتقارهم، وتذويبهم في بحر عميق، لاسيما إذا ما أراد تافه منهم ذم أبي الطيب:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأني كامل
فيقلب عليه أمره، حتى يتمنى أنه مدحه ولم يذمه. وهذا من ذكاء أبي الطيب. أما المتشاعرون في زمنه، فمن سوء حظهم أن يجمعهم والمتنبي مجلس في حضرة سيف الدولة الحمداني، فيجعلهم زعانف ساقطين أراذل، لا عرب هم ولا عجم:
بأي لفظ تقول الشعر زعنفة ... تجوز عندك لا عرب ولا عجم؟!
ويتركهم في حيرة عظيمة، يكدون أذهانهم ليستخرجوا منها بيتا أو بيتين، كي يجاروه بها، فلا يستطيعون، ويسهرون يفكون رموز قصيدته، ويختصمون، بينما هو يخلد للنوم العميق:
أنام ملء جفوني عن شواردها ... ويسهر الخلق جراها ويختصم
وحدث مرة بعد أن ألقى قصيدته الخالدةK التي منها هذا البيت، ثم انصرف واضطرب المجلس بعده، أن قام رجل تافه مقرود! يقال له: السامري، فطلب من سيف الدولة أن يأذن له في هجاء المتنبي، فأذن له ساخرا، مع أن في المجلس عظماء الشعراء، لكن المقرود مقرود! فقال أبياتا لم يحفظها أحد، فلما علم أبو الطيب عاد فوقف عليهم، واتكأ على سيفه ونظر إلى هذا السامري نظرة ازدراء وهجاه بأبيات كلما قرأتها شعرت بالحزن على هذا السامري:
أسامري ضحكة كل راء ... فطنت وكنت أغبى الأغبياء؟!
صغرت عن المديح فقلت أهجى ... كأنك ما صغرت عن الهجاء!
وما فكرت قبلك في محال ... ولا جربت سيفي في هباء
يقول: أنت لست كفؤا للمديح، ولا تستحق الهجاء لأنك تافه! والهجاء على قبحه يرفع من شأنك، وأنت أصغر من أن تهجى!. وقد يصل به الحال إلى أن يمحق الجاهل التافه حتى يجعله كأنه لم يوجد:
ومن جاهل بي وهو يجهل جهله ... ويجهل علمي أنه بي جاهل!
وهذا الغبي الجاهل يظن أن الذي يضحك على تفاهته إنما يضحك إعجابا بها، فيتمادى في جهله وغبائه حتى يسقطه أبو الطيب من علو:
وجاهل مده في جهله ضحكي ... حتى أتته يد فراسة وفم!
ثم ينصح هذا الغبي بألا يغتر بابتسامة الأسد، وظهور أنيابه، فما ابتسم إلا ليفترس:
إذا رأيت نيوب الليث بارزة ... فلا تظنن أن الليث يبتسم!
أما التافه اللئيم، الذي لا يؤثر فيه معروف الرجال الكرماء، فقد ناله نصيبه من سهام شعر أبي الطيب، الذي خلده التاريخ:
لعنت مقارنة اللئيم فإنها ... ضيف يجر من الندامة ضيفنا
والضيفن: هو اللئيم الثقيل الذي لا تهضمه أذواق الناس.. وقال أيضا أشهر بيت جمع الحكمة من أطرافها:
إذ أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
ولأنه يعلم أن طبيعة التافهين الغباء، فهم مهما خاطبتهم لا يفهمون، ولا يريدون أن يفهموا، فلا تتعب معهم:
ومن البلية عذل من لا يرعوي ... عن غيه، وخطاب من لا يفهم
إلى اللقاء.
mhajjad@gmail.com
كان لأبي الطيب طريقة عجيبة في التعامل مع التافهين، طالبي الشهرة الكاذبة، يبدؤها باحتقارهم، وتذويبهم في بحر عميق، لاسيما إذا ما أراد تافه منهم ذم أبي الطيب:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأني كامل
فيقلب عليه أمره، حتى يتمنى أنه مدحه ولم يذمه. وهذا من ذكاء أبي الطيب. أما المتشاعرون في زمنه، فمن سوء حظهم أن يجمعهم والمتنبي مجلس في حضرة سيف الدولة الحمداني، فيجعلهم زعانف ساقطين أراذل، لا عرب هم ولا عجم:
بأي لفظ تقول الشعر زعنفة ... تجوز عندك لا عرب ولا عجم؟!
ويتركهم في حيرة عظيمة، يكدون أذهانهم ليستخرجوا منها بيتا أو بيتين، كي يجاروه بها، فلا يستطيعون، ويسهرون يفكون رموز قصيدته، ويختصمون، بينما هو يخلد للنوم العميق:
أنام ملء جفوني عن شواردها ... ويسهر الخلق جراها ويختصم
وحدث مرة بعد أن ألقى قصيدته الخالدةK التي منها هذا البيت، ثم انصرف واضطرب المجلس بعده، أن قام رجل تافه مقرود! يقال له: السامري، فطلب من سيف الدولة أن يأذن له في هجاء المتنبي، فأذن له ساخرا، مع أن في المجلس عظماء الشعراء، لكن المقرود مقرود! فقال أبياتا لم يحفظها أحد، فلما علم أبو الطيب عاد فوقف عليهم، واتكأ على سيفه ونظر إلى هذا السامري نظرة ازدراء وهجاه بأبيات كلما قرأتها شعرت بالحزن على هذا السامري:
أسامري ضحكة كل راء ... فطنت وكنت أغبى الأغبياء؟!
صغرت عن المديح فقلت أهجى ... كأنك ما صغرت عن الهجاء!
وما فكرت قبلك في محال ... ولا جربت سيفي في هباء
يقول: أنت لست كفؤا للمديح، ولا تستحق الهجاء لأنك تافه! والهجاء على قبحه يرفع من شأنك، وأنت أصغر من أن تهجى!. وقد يصل به الحال إلى أن يمحق الجاهل التافه حتى يجعله كأنه لم يوجد:
ومن جاهل بي وهو يجهل جهله ... ويجهل علمي أنه بي جاهل!
وهذا الغبي الجاهل يظن أن الذي يضحك على تفاهته إنما يضحك إعجابا بها، فيتمادى في جهله وغبائه حتى يسقطه أبو الطيب من علو:
وجاهل مده في جهله ضحكي ... حتى أتته يد فراسة وفم!
ثم ينصح هذا الغبي بألا يغتر بابتسامة الأسد، وظهور أنيابه، فما ابتسم إلا ليفترس:
إذا رأيت نيوب الليث بارزة ... فلا تظنن أن الليث يبتسم!
أما التافه اللئيم، الذي لا يؤثر فيه معروف الرجال الكرماء، فقد ناله نصيبه من سهام شعر أبي الطيب، الذي خلده التاريخ:
لعنت مقارنة اللئيم فإنها ... ضيف يجر من الندامة ضيفنا
والضيفن: هو اللئيم الثقيل الذي لا تهضمه أذواق الناس.. وقال أيضا أشهر بيت جمع الحكمة من أطرافها:
إذ أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
ولأنه يعلم أن طبيعة التافهين الغباء، فهم مهما خاطبتهم لا يفهمون، ولا يريدون أن يفهموا، فلا تتعب معهم:
ومن البلية عذل من لا يرعوي ... عن غيه، وخطاب من لا يفهم
إلى اللقاء.
mhajjad@gmail.com