د. عبدالوهاب القحطاني

سيبقى التصنيع الخيار الإستراتيجي الأفضل والأمثل للإسراع في تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية في المملكة إلا أن تحدياته كثيرة وصعبة. وتتميز البيئة الاقتصادية السعودية بالانفتاح وازدياد وتسارع وتيرة المستجدات الاقتصادية والتكنولوجية والفنية والتقنية المحلية والعالمية. ولقد فتحت العولمة الكثير من هذه المستجدات والتحديات وأصبحت المملكة أحد مراكز الجذب الاستثماري في العالم. وبالرغم من نمو القطاع الصناعي في المملكة إلا أنه لا يساهم بنسبة كبيرة في إجمالي الناتج المحلي السعودي لأسباب عديدة أكثرها ضعف الكفاءة الإنتاجية وقلة عدد الشركات الكبيرة التي تستطيع الاعتماد على نفسها في النواحي التنافسية مثل المهارات والتكنولوجيا والمبادرة والإبداع، ناهيك عن عدم نضج حاضنات الأعمال.

ويعتبر الارتقاء بالمقدرة التنافسية إلى مستوى العالمية للمنتجات الصناعة السعودية ضروريا ليس لكسب حصص تسويقية تنافسية كبيرة في أسواق التصدير العالمية فحسب، إنما أيضا للمحافظة على حصصها في الأسواق المحلية وتمكينها من ذلك بشكل قوي. وتتطلب مواجهة هذه التحديات من الشركات الصناعية بالمملكة العمل على رفع معدلات الإنتاجية والجودة إلى المستويات القياسية العالمية. وهنا تكمن أهمية تكنولوجيا الإنتاج والتدريب لصقل مهارات الموظفين للرقي بالإنتاجية ورفع كفاءة الموظف لتقليص التكاليف مما يساهم في زيادة الأرباح والنمو محليا وعالميا.

وكما هو ملموس الآن، فإن التطور والتغير في الأسواق العالمية ومجالات التقنية يشهد تقدما ملحوظا ومتسارعا مما يشكل تحديا كبيرا لقطاعات الأعمال في العالم وللقطاعات الصناعية على وجه الخصوص، بحيث نلاحظ هجرة بعض الصناعات من الدول الصناعية المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة إلى دول نامية تتميز بخصائص اقتصادية قوية محفزة مثل العمالة الماهرة المنخفضة التكاليف والقرب من مصادر الموارد الطبيعية والطاقة والخامات المنخفضة التكاليف. وتحتم مواجهة مثل هذا التحدي استحداث آليات تتسم بالمرونة في الإدارة والتخطيط والتنظيم والرقابة والتحكم وقياس الفاعلية والكفاءة والتصميم والإنتاج والتسويق والبحث العلمي وغيرها من مجالات العمل الصناعي في المملكة.

ولا شك أن للتقنية الحديثة دورا كبيرا في زيادة الإنتاجية من حيث الكمية والجودة، وبالتالي ينعكس هذا بصورة مباشرة على القدرة التنافسية للمنتجات الصناعية السعودية، بل يعد أهم مصدر لبناء الميزة التنافسية في البيئة المحلية، ناهيك عن البيئة العالمية. وطبعا لا تكون صناعة القرارات الاستثمارية دقيقة إلا بتوافر قواعد معلومات تقنية وإحصائية حديثة ومتكاملة. وفي هذا الشأن فإن المملكة بحاجة إلى مضاعفة القدرات التقنية لصناعاتها الوطنية بالرغم من الإنجازات التي تمت في مجال نقل بعض التقنية إلى المملكة. ولا يمكن الاعتماد بشكل كامل على التقنية المستوردة، بل يجب تطويرها لتوطينها بالشكل المناسب الذي يخدم الاقتصاد السعودي الواعد. وهنا تأتي أهمية تطوير البحث العلمي في المؤسسات الوطنية لخدمة التقنية الصناعية فيها. وقد خطت المملكة خطوات حثيثة في مجال جذب الاستثمارات الأجنبية، لكنها بحاجة إلى نوعية من الاستثمارات التي تساهم بشكل أفضل في تنمية الاقتصاد الوطني، بحيث تكون لها قيمة مضافة.

ويعد انضمام المملكة لعضوية منظمة التجارة العالمية التزاما نحو الشفافية والتكامل الاقتصادي والانفتاح والتخلص من السياسات الحمائية، لذلك يجب على قطاع الصناعات السعودية التعامل مع اتفاقيات المنظمة من حيث الاعتماد على نفسها من غير الدعم الحكومي الذي أصبح محكوما باتفاقيات منظمة التجارة العالمية لأنه يعني تمييز الصناعات السعودية على صناعات شركات الدول الأعضاء في المنظمة. ويجب على الصناعات السعودية التكيف مع قواعد المنظمة والتي تلتزم بها جميع الدول الأعضاء. ولا خيار أمام الصناعات السعودية سوى اتباع سياسات تكيفية للاستفادة القصوى من إيجابيات اتفاقيات المنظمة مع العمل على تقليل الآثار السلبية للانضمام للمنظمة. إن مواكبة المستجدات العالمية في ظل اتفاقيات منظمة التجارة العالمية تتطلب من الصناعات السعودية المعرفة الجيدة والدقيقة بالناحية القانونية للاتفاقيات التي وقعت عليها المملكة. ومن المؤكد أن الصناعات السعودية معنية بالمحافظة على البيئة التي نصت اتفاقيات منظمة التجارة العالمية على حمايتها من التلوث.

كلية الأعمال KFUPM

@dr_abdulwahhab