عبدالله العولقي

ودعت الساحة الثقافية العربية أحد أهم أعلام النقد والأدب العربي، الذي عرف بأنه الابن البار للعمل الثقافي الأكاديمي، وقد تشرب هذا الوفاء العلمي من أستاذته الدكتورة الراحلة سهير القلماوي، التي تشربت هي الأخرى هذه المفاهيم والمبادئ العلمية من أستاذها الأديب الراحل طه حسين، وقد بدا هذا الوفاء الأكاديمي حتى آخر مرحلة من مراحل حياته عندما أوصى بأن تكون جنازته من جامعة القاهرة!!.

لقد كافح الدكتور عصفور في تثقيف نفسه وتطوير مهاراته النقدية حتى أضحى أهم النقاد العرب خلال الأربعين عاماً الماضية، وفي ذات الوقت، استطاع أن يثبت جدارته في الجانب الإداري والقيادي بكل كفاءة واقتدار، ومع ذلك كله، كان الراحل يتمتع بأخلاق عالية وروح وثابة متجددة، ونشاط دؤوب وعطاء مستمر لآخر أيام حياته وقبل أن يشتد عليه المرض، ويعود تميزه النقدي والثقافي أنه استطاع أن يجمع بين أصالة التراث العربي وحداثة النقد الغربي بكل كفاءة واقتدار، وهذه الخاصية الفريدة منحته بعداً واسعاً وتميزاً عن أقرانه في الثقافة العربية، ولعلنا نجد هذا جلياً في مضمون مصنفاته، التي أربت على الأربعين كتاباً، بالإضافة إلى مئات المقالات الرصينة، التي ناقشت مواضيع مهمة لم يعهدها النقد العربي من قبل، ولذا كانت محط اهتمام نقاشات وندوات ثقافية وأدبية في الجامعات والنوادي الثقافية.

لم يكن الدكتور عصفور مجرد ناقد بارع يكتفي بوضع بصماته البارزة في تاريخ النقد الحديث، بل كان عنواناً للمثقف الموسوعي والمهموم إلى حد الهوس بالثقافة وتحدياتها، ويكفي أنه مؤسس مجلة فصول النقدية، التي كانت حدثاً استثنائياً في مسيرة النقد العربي، والدراسات الثقافية عموماً، كما عرف عن الدكتور عصفور براعته في القيادة والإدارة، ولذا شغل منصب الأمين العام للمجلس الثقافي المصري طيلة 14 عاماً، ومديراً للمركز القومي للترجمة فترة طويلة جداً، بالإضافة إلى كونه أستاذ النقد العربي في جامعة القاهرة، وأستاذ زائر لدى بعض الجامعات الخليجية والعربية والأمريكية، ويعود نجاحه الإداري إلى شخصيته المرنة وقبوله لجميع الآراء والاختلافات برحابة صدر عجيبة.

نعود إلى مصنفاته، التي تعد مرجعاً في علوم النقد الحديثة، ولعل أبرزها وأكثرها أهمية: محنة التنوير وأنوار العقل، وزمن الرواية، وغواية التراث، والنقد الأدبي والهوية الثقافية، ونقد ثقافة التخلف، وتحديات الناقد المعاصر، وزمن جميل مضى، وهوامش على دفتر التنوير، وقد نال الدكتور عصفور تقدير المراكز الثقافية العربية، فنال الوسام الثقافي التونسي عام 1995م، وجائزة سلطان العويس في حقل الدراسات الأدبية والنقد عام 1997م، وجائزة الدولة التقديرية في مجال الأدب عام 1999م.

وفي الختام، رحم الله الفقيد وألهم أهله وتلاميذه وقراءه ومحبيه الصبر والسلوان.

@albakry1814