د. شلاش الضبعان

قرأت قبل أيام لأحد أعضاء هيئة التدريس في جامعة من جامعاتنا يشتكي فيها أنه تقاعد بعد سنوات من العطاء، ولم يسأل عنه أحد أو حتى يتلقى خطاب شكر من الجامعة رغم الجهد الذي بذله من تدريس وبحوث وتأسيس لمشاريع باقية طوال سنوات خدمته.

واختلفت الردود بين مؤيد وقائل: أنت أخذت راتبا مقابل عملك ولذلك لا تطلب ما يزيد على ذلك.

والحقيقة أن الوفاء -خصوصا لمن يستحقه ممن أبدع وأنتج- مطلوب، ومن صفات المجتمعات الحية، فالمجتمعات الراقية ذكورة شكورة، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله، ولا يعرف الفضل لذوي الفضل إلا ذوو الفضل، كما أن الشكر والتقدير وسيلة لاستمرارية التميز والعطاء، فهو ليس حفظا لحقوق من ترك الوظيفة فقط، بل دلالة على رقي المؤسسة، وفطنة قيادتها، ورسالة للموظفين الذين على رأس العمل حتى يستمروا ويعلموا أنهم يعملون لمؤسسة راقية وفية تحفظ حقوق من يعملون فيها حتى بعد رحيلهم.

ولكن أيضا هل غياب الشكر والتقدير يتسبب في اليأس والتحطيم؟!

إذا كان الشكر والتقدير يتقزم في خطاب فلا شك أن غياب الخطاب تحطيم، ولكن الحقيقة أن الشكر والتقدير أعظم وأنقى وأرقى، فشكر العامل أكبر من الخطاب، لأن بقاء تاريخ إنجازه وثناء من تعاملوا معه شكر، وشهادة زملائه له بالخير شكر وتقدير، ويزيد المعلم وعضو هيئة التدريس بالأثر الذي تركه في عقول من درسهم، فأعظم الشكر والتقدير للمعلم عندما يقول له طالبه: أثرت فيني يا معلمي، وغيرت مساري!

هذا هو الشكر والتقدير الحقيقي والباقي، أما الشهادات الورقية والخطابات فسيشتكي الأهل من الازدحام الذي سببته والغبار الذي جلبته، ومع الوقت تفقد بريقها، أما الأثر فهو الباقي دنيا وأخرى، ولذلك حرص كبار السن وأوصوا أولادهم بالحرص على «بياض الوجه» وترك السمعة الحسنة التي تبقى لبيض الوجوه ولأبنائهم من بعدهم.

وفوق ذلك ما عند الله للعاملين المخلصين، وهو خير وأبقى ويناله الإنسان أحوج ما يكون إليه، فالبشر شكرهم زائل، ويشوبه ما يشوبه، ولكن شكر رب البشر باق ونفعه أكبر وأعظم.

اعملوا ولا تتوقفوا حتى ولو لم يشكروا.

@shlash2020