محمد حمد الصويغ

أفكار وخواطر

قال ابن رشيق: «ثم جاء المتنبي فملأ الدنيا وشغل الناس»، وقال عنه ابن الأثير: «إنه خاتم الشعراء، ومهما وصف به فهو فوق الوصف وفوق الإطراء»، والغريب في الأمر أن خصومه الذين تحاملوا عليه وعلى رأسهم الصاحب بن عباد، والشريف الرضي، وأبو فراس الحمداني، لم يستطيعوا إنكار شاعريته، ولم يستطيعوا في الوقت ذاته إنكار تأثرهم المباشر بطريقته، فلماذا ملأ هذا الشاعر الدنيا وشغل الناس حتى عصرنا الحاضر؟.. والإجابة عن هذا السؤال العفوي تبدو متعددة الجوانب ومتشعّبة ومتداخلة، وقد لا أفيها حقها، فدعوني أختصر ما استطعت إلى ذلك سبيلًا فأقول إن المعاني المطروحة في شعره تميزت بالقوة والجمال البعيدين عن التفاصيل، ورغم أن هذا البُعد قد زجّ به أحيانًا في متاهات الغموض إلا أن من الصعوبة بمكان أن يدّعي بعض النقاد أن خاصية الغموض كانت ملازمة لشعره كظله، بل العكس هو الصحيح، فمعظم شعره تميز بعرض بياني جميل وفكرة خلابة واضحة.

ومن الأسباب التي أدت إلى ملئه للدنيا وشغله للناس في زمنه والأزمان التي تلته سبب يعود إلى أن معانيه الشعرية تميزت بالدعوة إلى الكمال في الأفعال والأقوال والأخلاق وابتعادها عن كل ما يشين باستثناء قصيدته «اليتيمة» التي خرج فيها عن هذا الإطار، وكان يهجو فيها «ضبة» إلا أنه اعترف بعد ذلك بأنه كان مدفوعًا إليها مُكرهًا، ومن الأسباب كذلك أن شعره تميز باستخدام الفلسفة ومعطياتها، ونحن نعلم أن المتنبي قد تأثر بأرسطو في كثير من مواقفه وآرائه ونظراته الفلسفية، ولعلنا نجد هذا الاستخدام أكثر ما نجده في الحكم المتناثرة بين تضاعيف أبيات قصائده، وقد كان الشاعر شغوفًا كذلك بعلم المنطق واستنتاجه؛ رغبة منه في الوصول إلى أفكار مجردة تتعامل مع الأحداث المباشرة، وأظن أننا عاثرون على هذا الاستنتاج لو تأملنا قصائده التي يصف فيها المعارك والغزوات، رغم أننا سوف نعثر أيضًا على معانٍ مكررة وغارقة في المبالغة؛ لأن وحدة المواضيع هي التي دفعت الشاعر إلى ذلك.

mhsuwaigh98@hotmail.com