عبدالله الزبدة

أتفق مع «لا يمكن الاستمرار في التعليم عن بُعد حتى انتهاء الجائحة»، ولكن هل ستكون هناك رقابة صارمة داخل المدارس؟ أقول ذلك مع تكرار مظاهر الإهمال والتراخي التي رصدتها الجهات المعنية في العديد من الأماكن العامة، فالبعض يظن أن إكماله جرعات اللقاح يمنحه الحصانة الكاملة، فما بالك ونحن نتحدث هنا عن أطفال لم يتلقوا جرعاتهم، فالاعتماد على التعاميم والتعليمات المكتوبة لا يكفي، كما أن الالتزام الظاهري بالإجراءات الاحترازية مثل وضع المعقمات عند المداخل والفصول ودورات المياه دون رقابة داخلية صارمة على استخدامها والالتزام بوضع الكمامة طوال الوقت لن يُجدي.

فهذه الأزمة رفعت سقف التوقعات وظهرت أصوات تنادي بالاعتماد على التعليم عن بُعد، ولكن لي وقفة عن الاضطراب المعرفي في عدم التفريق بين مفهومي التعليم عن بُعد والتعلم عن بُعد، فمن الواضح جداً أن مفهوم «التعليم» يشير إلى أنه إلزامي ومتطلب للحصول على شهادة أكاديمية واجتياز مرحلة دراسية ومناسبة للفئات العمرية بمراحل التعليم العام، ومفهوم التعلم عن بُعد يكون تعلماً يمارسه المتعلم بإرادته ووفق احتياجاته التعليمية، المهنية والمهارية للحصول على شهادة جامعية ودراسات عليا أو تدريب مهني في ظل ظروف جيدة دون أزمات. فهل يمكن أن نقدم الخدمة التعليمية لمراحل التعليم العام عن بُعد باستمرار حتى انتهاء الجائحة؟

علينا أن نفهم خصائص المرحلة العمرية المقدّم لها هذه الخدمة من خلال علم النفس التربوي والنظريات التعليمية، فلا يمكن أن يُنظر للتعليم بأنه تلقين للمواد الدراسية والحصول على درجات نهاية السنة فقط، بل هو عملية مستمرة تتمحور حول صقل الطالب بجميع المعارف: علمية، ثقافية، مهارية، أدبية، بدنية، كل هذه العوامل هي أساس العملية التعليمية داخل البيئة المدرسية التي تتيح للطلبة في هذه المرحلة العمرية اكتساب المهارات الاجتماعية من الأقران والمعلمين، ولن يكون هناك فاقد تعليمي كبير يضعف جودة المخرجات التعليمية، فالمواد العلمية ذات التخصص مثل الرياضيات والعلوم واللغات لا يمكن متابعة الوالدين لأبنائهم في كل هذه المواد المتخصصة التي تحتاج لمعلم المادة، وصعوبة تحقيق العدالة لجميع الطلبة بالتعليم عن بُعد بالاختبارات وقياس، والمهارات السلوكية الخاصة بالانضباط والجد والاجتهاد وتحمّل المسؤولية، وأيضاً في بناء القيم والاتجاهات وصناعة الشخصية وتعلم مهارات الحياة، ففي مراحل النمو لا يمكن فصل البيت عن المدرسة، وأنماط السلوك للطفل هي المسؤولة عن التنشئة التربوية والاجتماعية، ولا يمكن عزلهما أو الاكتفاء بواحدة للوصول لمستوى تنشئة صحية وآمنة نفسيًا واجتماعيًا للطفل، ولننظر للأمر بواقعية، حتى الآن مخرجات التعليم الجامعية عن بُعد لا تحظى بالقبول لدى جهات التوظيف.

ومن المهم عدم الخلط بين مفهومَي «التعلم عن بُعد» الذي يسجل به الراشد لاكتساب المعارف والمهارات وبكامل إرادته، وبين مفهوم «التعليم» الإلزامي الذي يجب أن يحصل عليه الطلبة بمراحل التعليم العام.

@alzebdah1