محمد الحرز
في الجملة يركز الكاتب محمد محفوظ في أطروحاته على أهمية تجديد الفكر الإسلامي من منطلقات ثقافية تقوم على المواءمة بين متطلبات الدين من جهة ومتطلبات الحياة المعاصرة من جهة أخرى. وقد أنجز الكثير من الكتب أهمها التي اعتمدنا عليها في مقاربتنا له, كتاب « الفكر الإسلامي المعاصر ورهانات المستقبل» – المركز الثقافي العربي عام 1999م , وكذلك كتاب « الأمة والدولة – من القطيعة إلى المصالحة لبناء المستقبل» – المركز الثقافي العربي- 2000م. وكذلك كتاب « الإسلام ورهانات الديمقراطية - من أجل إعادة الفاعلية للحياة السياسية والمدنية»- 2002 م. لقد رأينا في اختيار هذه الكتب القاعدة التي ارتكز عليها الكاتب في جل ما طرحه من آراء في كتبه اللاحقة بحيث لا يتعدى في بعض الأحيان تكرار ما قاله من آراء وأفكار في هذه الكتب المذكورة أعلاه . وسنقوم هنا باختبار مقولاته عن التجديد في مقاربتنا له , ولكن قبل هذه المقاربة علينا أن نستعرض أهم مقولاته وأفكاره في مفهوم التجديد ورؤيته ومنهجه والقاعدة التي ينطلق منها . ومن ثم نحاول تقييم محاولته ضمن سياقين: السياق الداخلي أي السياق الذي تطورت فيه أفكاره تدريجيا , والسياق الخارجي أي السياق الذي يحدد بدرجة كبيرة مرجعياته الفكرية ومصادره الفكرية التي أثرت وتقاطعت مع مجمل آرائه وأفكاره. أولا- في سياق تحليله مفهوم التجديد الديني يحاول الكاتب ربط المفهوم بسياق أشمل وهو السياق الانثروبولوجي لمفهوم الثقافة. ولذلك يرى أن الثقافة من هذا المنطلق أكثر فاعلية في دراسته للتجديد , فهو يعيد النظر إلى الدين انطلاقا من علاقته بالثقافة على اعتبار أن هذه الأخيرة في الدراسات الأنثروبولوجية هي منظومة من القيم والمفاهيم والأعراف السلوكية واللغوية والنفسية التي ترتبط بمجتمع ما في سيرورته التاريخية. ثانيا- مما سبق نجد أنه يطرح سؤال التجديد ويصوغه على النحو التالي: ماذا يعني التجديد الثقافي؟ في إشارة تدل دلالة قاطعة على أن سؤال التجديد وثيق الصلة بالمفهوم الثقافي بالقدر الذي هو وثيق الصلة بالمفهوم الديني, حيث الثاني متضمن في الأول مثل تضمن الكل للجزء. لكن التمايز الذي يضعه بين الاثنين هو الفرضية التي يبني عليها مفهومه للتجديد ورؤيته له , فهو يرى أن ما هو ثقافي في المجتمع هو عامل متغير من قبيل الفهم والتصورات للقيم والأعراف التي ارتبطت تاريخيا وتطورت من خلال تطور المجتمع نفسه. بينما ما هو ثابت هو الدين باعتباره منظومة القيم العقائدية والأخلاقية والطقوسية التي تأسس عليها الدين في بداية مراحله الأولى من التأسيس, أو ما يسمى مرحلة صدر الإسلام . إذا انطلاقا من هذا التمايز الذي يعتمده في التحليل نجده منبثا في ثنايا إجابته عن السؤال السابق بالشكل التالي» ان الحديث عن التجديد الثقافي والفكري في الفضاء المعرفي العربي و الإسلامي لا يعني العمل على استحداث قيم جديدة لا أصول لها أو لا تناغم و الأصول الفكرية والعقائدية لذلك الفضاء لان التجديد الثقافي الذي نعنيه ليس مفصولا عن المشروع الإسلامي الحضاري في الحقل الثقافي و الفكري لذلك فإن التجديد الثقافي يعني الأمور التالية :أولا ً :تجديد الفهم للدين بثوابته ومتغيراته فالتجديد هنا لا يتجه إلى الدين كمنظومة من العقائد والأخلاق وإنما يتجه إلى فهم الناس إلى الدين . بمعنى تقنية أفهام الناس تجاه الدين من الأمور السلبية والقشرية . إذا إن من الآليات الطبيعية للتجديد في كل الأمم والشعوب والثقافات هي العودة للأصول والقيم الكبرى التي صنعت الحقب التاريخية المجيدة والتي تحولت إلى حقب نموذجية ومرجعية في الفضاء التاريخي لتلك الأصول والثقافات ثانيا- الفاعلية . وهي تعني عنده الاتجاه إلى تفعيل القيم الإسلامية الكبرى التي تأسس عليها الدين وذلك من خلال عاملين اثنين الأول هو « تغيير الإنسان وإزالة ركام التخلف والانحطاط عنه وغشاوة النظر وضبابية الرؤية التي تمنعانه من التفاعل المطلوب مع تلك القيم» , أما الثاني فهو» تنقية الفضاء المعرفي والفكري من الزوائد التي اعتبرت قسرا جزءا من المنظومة العقدية والمعرفية « . وهو تفعيل كما هو مفترض عنده يتجه صوب العامل المتغير وليس الثابت . ثالثا- الإبداع وهذا العنصر كما يرى ضرورة حضارية تعني فيما يعنيه الاستعداد النفسي والذهني والفكري لتلقي الاستجابات والصدمات التي يحدثها الواقع المعاش جراء التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية في حياة الإنسان والمجتمع الذي يعيش فيه. هذا الاستعداد هو أحد أهم الشروط التي تفضي إلى عملية التجديد الثقافي, فالاستجابة لتحديات الواقع والحاضر وما يطرحانه من إشكاليات تمس البنى الفكرية والاجتماعية والثقافية لأي مجتمع هو الرهان لصنع ثقافة مغايرة وثيقة الصلة برؤية تتطلع إلى آفاق المستقبل واستشرافه. ثالثا- لا تشكل هذه العناصر الثلاثة حصريا أبعاد ما يسميه بالتجديد الثقافي, بل يضيف إليها أبعادا أخرى ترتبط بآليات التجديد أكثر من ارتباطها بالاستراتيجيات والرؤى , فالتأصيل المنهجي والعمل المؤسساتي , والتربية الثقافية والمسؤولية التربوية جميعها تدخل ضمن دائرة تجديد الفعل الثقافي ممارسة وسلوكا. قد يبدو من جهة أخرى أن مفهوم التجديد عند الكاتب لا ينتظم في نسق محكم من التصورات والمفاهيم التي يربطها منطق الوحدة والانسجام, بل أكثر ما يكونها في سياق التحليل هو جملة من الثنائيات التي تحكم مجمل أعماله, وقد يتبين ذلك جليا في عناوين كتبه» الأمة والدولة» أو الإسلام ورهانات الديمقراطية» أو التسامح وقضايا العيش المشترك» وهكذا ينتظم مفهوم التجديد ضمن هذه الثنائية التي تدل من خلال ثنايا تحليله على أن محورية الإسلام ومركزيته هي المنطلق في مقارباته , وهذا خيار ينبغي أخذه بعين الاعتبار حينما نريد مقاربة بعض العناصر التي تشكل في مجملها مفهوم التجديد كالديمقراطية , والتسامح, والمواطنة...إلخ.Mohmed_z@hotmail.com