Hanih@iau.edu.sa
ما زال «الهدد» الذي يجري الآن على قدم وساق بمدينة جدة يفرض نفسه على التنمية العمرانية داخل المدينة وخارجها. لعل أهم ما يلاحظ على عملية الإزالة تلك -فيما يتوافر من معطيات- هي انتقائيتها. هي ليست عشوائية. إنها عملية منضبطة، منتقاة بعناية، وكأن ما يحصل لعروس البحر الأحمر هي عمليات تجميل جراحية إن صح التعبير. من الواضح أن أحياء كثيرة في جدة -كما هو الحال في كثير من مدن المملكة- قد نمت عشوائيا. ولعله من المفيد هنا تعريف مصطلح العشوائيات.
ورد في لسان العرب في مادة عشا ما يلي: «العشا سوء البصر بالليل والنهار،...... يخبط خبط عشواء، يضرب مثلا للسادر الذي يركب رأسه ولا يهتم لعاقبته، كالناقة العشواء التي لا تبصر، فهي تخبط بيديها كل ما مرت به، وشبه زهير المنايا بخبط عشواء: لأنها تعم الكل ولا تخص...»، هذا ما تقوله اللغة عن العشوائيات، وإذا ما تم تطبيقها لغويا في سياقنا هذا، فإنها تؤكد بما لا يدع مجالا للشك على وجود اضطراب وخلل في التنمية العمرانية لأسباب ليس هنا موضع الخوض فيها.
والعشوائيات بهذا التعريف تأخذ أشكالا متعددة. إنها ليست حصرا على ما أمكن تجميعه من خيام، أو صفائح شنكو، أو أكياس من الرمل، أو ما سهل حمله وتركيبه كجدران وأسقف على حدود مناطق التنمية العمرانية. يمكن حسب التعريف اللغوي سحب المصطلح على كثير من المباني داخل النطاق العمراني ذاته. يمكن بكل بساطة تعريف العشوائيات بأنها أي بناء تم بناؤه بدون ترخيص مسبق من الجهات المعنية. المسكن الحديث بحاجة إلى مجموعة من التراخيص لكي يتم توفير العيش الكريم لطالبه، فهناك ترخيص البلدية، وهناك ترخيص الكهرباء، ومصلحة المياه وربما الدفاع المدني وغير ذلك من الاشتراطات وفقا لطبيعة البناء. والترخيص بهذا المعنى ليس الهدف من ورائه التضييق على الساكن أو إطالة إجراءات البناء، أو أي ما من شأنه مصادرة حق المرء في البناء. الترخيص ضرورة حتمية لتنظيم البيئة العمرانية فبلا تنظيم ستصبح الأنسجة العمرانية بكل ما حوت تعج بالفوضى، التي تعود بالضرر على أصحابها قبل غيرهم. التراخيص مهما كثرت ضرورة حتمية لتنظيم عيش الناس وأمنهم وسلامتهم أولا وأخيرا. الحق في البناء أمر مشروع تماما، لكن البناء بمعزل عن الجهات ذات الصلاحية له تبعاته عاجلا أم آجلا.
قد يبدو هذا بديهيا، لكن أشكال الحارات والأبنية والأزقة والمحلات التجارية وكل تفاصيل الأنسجة العمرانية، التي تمت إزالتها أو في طريقها إلى الإزالة، تؤكد غياب أي مرجعية نظامية لعمليات البناء تلك. يصاب المرء بالدهشة والحسرة من حجم كثير من العشوائيات. فقد تجد عمارة مبنية من عدة أدوار بحالة ممتازة محاطة بنسيج عمراني من شوارع وطرق مشاة أو مواقف أو أبنية مجاورة تتسم بالعشوائية. العشوائية هنا ليست في بناء الفرد الواحد بذاته ولكن في النسيج العمراني المجاور له.
لرئيس الوزراء البريطاني التاريخي ونستون تشرشل عبارة شهيرة: «نحن نشكل مبانينا التي تشكل حياتنا». هذه المقولة ترقى إلى أن تكون حقيقة علمية. وللمرء أن يتخيل أسلوب الحياة، الذي توفره تلك المساكن العشوائية.
هذا إذا كان البناء بدون ترخيص هو السبب الرئيس وراء انتشار ظاهرة العشوائيات. أما إذا كانت هناك أسباب غير ذلك، فإننا أمام معضلة من نوع آخر. إن علاقة الجهات التنموية من بلديات وخدمات بالساكن لا تنتهي بمجرد الانتهاء من البناء وتوصيل الماء والكهرباء. إن تشغيل المدينة -بمختلف مرافقها- والحفاظ عليها ومراقبة سير التنمية يوما بيوم مهمة لا تقل أهمية عن مرحلة البناء ذاتها. وفي ذلك جوانب إن تم التغاضي عنها فستؤدي حتما إلى سلسلة من التراكمات اليومية لا تلبث في النهاية أن تتحول إلى عشوائيات وهو ما نراه الآن بأم أعيننا.
حصاد اليوم هو بذار الأمس، وبذار اليوم هو حصاد الغد. فلنحسن البذار ما استطعنا.
ما زال «الهدد» الذي يجري الآن على قدم وساق بمدينة جدة يفرض نفسه على التنمية العمرانية داخل المدينة وخارجها. لعل أهم ما يلاحظ على عملية الإزالة تلك -فيما يتوافر من معطيات- هي انتقائيتها. هي ليست عشوائية. إنها عملية منضبطة، منتقاة بعناية، وكأن ما يحصل لعروس البحر الأحمر هي عمليات تجميل جراحية إن صح التعبير. من الواضح أن أحياء كثيرة في جدة -كما هو الحال في كثير من مدن المملكة- قد نمت عشوائيا. ولعله من المفيد هنا تعريف مصطلح العشوائيات.
ورد في لسان العرب في مادة عشا ما يلي: «العشا سوء البصر بالليل والنهار،...... يخبط خبط عشواء، يضرب مثلا للسادر الذي يركب رأسه ولا يهتم لعاقبته، كالناقة العشواء التي لا تبصر، فهي تخبط بيديها كل ما مرت به، وشبه زهير المنايا بخبط عشواء: لأنها تعم الكل ولا تخص...»، هذا ما تقوله اللغة عن العشوائيات، وإذا ما تم تطبيقها لغويا في سياقنا هذا، فإنها تؤكد بما لا يدع مجالا للشك على وجود اضطراب وخلل في التنمية العمرانية لأسباب ليس هنا موضع الخوض فيها.
والعشوائيات بهذا التعريف تأخذ أشكالا متعددة. إنها ليست حصرا على ما أمكن تجميعه من خيام، أو صفائح شنكو، أو أكياس من الرمل، أو ما سهل حمله وتركيبه كجدران وأسقف على حدود مناطق التنمية العمرانية. يمكن حسب التعريف اللغوي سحب المصطلح على كثير من المباني داخل النطاق العمراني ذاته. يمكن بكل بساطة تعريف العشوائيات بأنها أي بناء تم بناؤه بدون ترخيص مسبق من الجهات المعنية. المسكن الحديث بحاجة إلى مجموعة من التراخيص لكي يتم توفير العيش الكريم لطالبه، فهناك ترخيص البلدية، وهناك ترخيص الكهرباء، ومصلحة المياه وربما الدفاع المدني وغير ذلك من الاشتراطات وفقا لطبيعة البناء. والترخيص بهذا المعنى ليس الهدف من ورائه التضييق على الساكن أو إطالة إجراءات البناء، أو أي ما من شأنه مصادرة حق المرء في البناء. الترخيص ضرورة حتمية لتنظيم البيئة العمرانية فبلا تنظيم ستصبح الأنسجة العمرانية بكل ما حوت تعج بالفوضى، التي تعود بالضرر على أصحابها قبل غيرهم. التراخيص مهما كثرت ضرورة حتمية لتنظيم عيش الناس وأمنهم وسلامتهم أولا وأخيرا. الحق في البناء أمر مشروع تماما، لكن البناء بمعزل عن الجهات ذات الصلاحية له تبعاته عاجلا أم آجلا.
قد يبدو هذا بديهيا، لكن أشكال الحارات والأبنية والأزقة والمحلات التجارية وكل تفاصيل الأنسجة العمرانية، التي تمت إزالتها أو في طريقها إلى الإزالة، تؤكد غياب أي مرجعية نظامية لعمليات البناء تلك. يصاب المرء بالدهشة والحسرة من حجم كثير من العشوائيات. فقد تجد عمارة مبنية من عدة أدوار بحالة ممتازة محاطة بنسيج عمراني من شوارع وطرق مشاة أو مواقف أو أبنية مجاورة تتسم بالعشوائية. العشوائية هنا ليست في بناء الفرد الواحد بذاته ولكن في النسيج العمراني المجاور له.
لرئيس الوزراء البريطاني التاريخي ونستون تشرشل عبارة شهيرة: «نحن نشكل مبانينا التي تشكل حياتنا». هذه المقولة ترقى إلى أن تكون حقيقة علمية. وللمرء أن يتخيل أسلوب الحياة، الذي توفره تلك المساكن العشوائية.
هذا إذا كان البناء بدون ترخيص هو السبب الرئيس وراء انتشار ظاهرة العشوائيات. أما إذا كانت هناك أسباب غير ذلك، فإننا أمام معضلة من نوع آخر. إن علاقة الجهات التنموية من بلديات وخدمات بالساكن لا تنتهي بمجرد الانتهاء من البناء وتوصيل الماء والكهرباء. إن تشغيل المدينة -بمختلف مرافقها- والحفاظ عليها ومراقبة سير التنمية يوما بيوم مهمة لا تقل أهمية عن مرحلة البناء ذاتها. وفي ذلك جوانب إن تم التغاضي عنها فستؤدي حتما إلى سلسلة من التراكمات اليومية لا تلبث في النهاية أن تتحول إلى عشوائيات وهو ما نراه الآن بأم أعيننا.
حصاد اليوم هو بذار الأمس، وبذار اليوم هو حصاد الغد. فلنحسن البذار ما استطعنا.