علي بطيح العمري يكتب:

يقول «عنترة بن شداد» متغزلاً بمحبوبته «عبلة»:

ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني

وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل السيوف لأنها

لمعت كبارق ثغرك المتبسم

ومعنى بارق ثغرك هي اللمعة التي تكون على الشفتين، فــ«عنترة» في هذا البيت وصف «عبلة» بأن أسنانها بيضاء تشبه حبات اللؤلؤ!

خلوا عنكم قضية أن «عنترة» يذكر «عبلة» في وقت التحام الصفوف وضربات السيوف، فالشعراء يبالغون وفي كل واد يهيمون.. يهمنا ثغر «عبلة» الباسم، ولمعان أسنانها فربما كانت تشبه اليوم «تبييض» الأسنان الذي تقوم به المستشفيات. وقد تساءلت في مقال قديم أوردت فيه بيت عنترة السابق وقلت: سمع شخص شعر عنترة في وصف ابتسامة «عبلة» وتساءل: أي معجون كانت تستخدمه «عبلة» لتلميع أسنانها!؟ بالتأكيد لم يكن هناك معاجين ولا وصفات، لكن السواك، والاهتمام بنظافة الفم والأسنان من الجمال المطلوب. إذا كانت أسنانك لؤلؤية تلمع وفمك زكي الرائحة فذلك فضل من الله، أما إن كانت دون المستوى، فالأهم أن تحافظ على نظافتها، ومع نظافتها سينظف فمك وينعكس على رائحة نفَسَك!

يقول شيخنا «ابن الجوزي» -عليه سحائب الرحمة- في كتابه الماتع «صيد الخاطر».. وأنا هنا سأنقل الشاهد لهذا المقال:

تلمحت على خلق كثير من الناس إهمالهم أبدانهم، ومنهم من لا ينظف بالخلال بعد الأكل - يقصد ما تُخلل به الأسنان -.. ومنهم من لا يكاد يستاك.. فيعود هذا الإهمال بالخلل في الدين والدنيا.. أما الدين فإنه قد أُمر المؤمن بالتنظف.. ونُهي عن دخول المسجد إذا أكل الثوم، وأمر الشرع بالسواك... وأما الدنيا فإني رأيت جماعة من المهملين أنفسهم يتقدمون إلى السِّرار - يقصد الذي يدنو منك ليسر لك بحديث -، والغفلة التي أوجبت إهمالهم أنفسهم أوجبت جهلهم بالأذى الحادث منهم. فإذا أخذوا في مناجاة السر لم يمكن أن أعرض عنهم فألقى الشدائد من ريح أفواههم.. ولعل من وقت انتباههم ما أمرّ أصبعه على أسنانه... وكان - صلى الله عليه وسلم- لا يفارقه السواك. وأورد ابن الجوزي أحاديث كثيرة عن السواك، كحديث: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب».

ما عاناه ابن الجوزي نعانيه اليوم..

أصعب اللحظات لما تقف بجانب واحد يتجشأ فتنبعث منه الروائح الكريهة، وإن كان في الصلاة فالوضع أمرّ وأشد على المرء من وقع الحسام المهند، وفي أحايين لطالما هممتُ بقطع الصلاة وتغيير المكان لما أقف بجنب أحد هؤلاء.. وأصعب المواقف لما يهمس في أذنك ويقترب منك مدخن ثرثار!! وفي كلا الموقفين أعانك الله وتولاك برحمته..!

في الطب هناك علاقة وطيدة بين صحة الفم والأسنان وصحة الجسم، فصحة الفم تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الصحة العامة للإنسان، وتدهور صحة الفم من شأنه تعريض جسم الإنسان لأمراض عدة!

لذا ينبغي أن نطرح على أنفسنا بين وقت وآخر هذا السؤال: متى آخر مرة فرشت أسنانك؟.. والإجابة عند من آذوا الناس بروائح أفواههم!

قفلة..

قال أبو البندري غفر الله له:

النظافة ليست مظهراً فقط.. هي ثقافة وأسلوب حياة!

@alomary2008